×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

قَالَ: حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ» ([1]).

ثُمَّ قَالَ رحمه الله : ولَيْسَ فِي الكائِنَاتِ ما يسْكُنُ العبدُ إليه ويطْمَئِنُّ به ويتنعَّمُ بالتَّوجُّهِ إليه إلاَّ الله سُبْحانَه، ومن عبَدَ غيرَ اللهِ وإن أحَبَّهُ وحصَلَ له به مَودَّةٌ فِي الحياةِ الدُّنْيَا ونوعٌ من اللَّذَّةِ فهو مفسدَةٌ لصَاحِبَهِ أعظمُ من مفْسدَةِ التذاذِ أكْلِ الطَّعَامِ المسْمُومِ: {لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء: 22] ، فإنَّ قوامَهما بأن تألَّهَ الإلهُ الحَقُّ فلو كَانَ فِيهَا آلهةٌ غير اللهِ لَمْ يَكُنْ إلهًا حقًّا؛ إذِ الله لا سَمِيَّ له ولا مِثْلَ له؛ فكَانَت تفْسدُ لانتفَاءِ ما به صَلاحهَا.

واعلَمْ أنْ فقْرَ العبدِ إِلَى اللهِ أنْ يَعبُدَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا لَيْسَ له نظيرٌ فيُقَاسُ به، لكن يُشْبِهُ من بعضِ الوُجُوهِ حاجَةَ الجَسدِ إِلَى الطَّعامِ والشَّرابِ وبينهما فُروقٌ كثيرَةٌ، فإنَّ حقيقَةَ العَبدِ قَلبُه ورُوحُهُ وهي لا صَلاحَ لها إلاَّ بإِلَهِهَا الله الَّذِي لا إِله إلاَّ هو، فلا تَطمَئِنُّ فِي الدُّنْيَا إلاَّ بذِكْرِه وهي كَادِحَة إليه كدحًا فمُلاَقيته، ولا بُدَّ لها من لقَائِه ولا صلاحَ لها إلاَّ بلِقَائِه، ولو حَصَلَ للعبدِ لذَّاتٌ أو سرورٌ بغيرِ اللهِ فلا يَدُومُ ذَلِكَ بل ينتَقِلُ من نوعٍ إِلَى نوعٍ، ومن شخصٍ إِلَى شخصٍ، ويتنَعَّمُ بهَذَا فِي وقْتٍ، وفي بعضِ الأحْوالِ. وأَمَّا إلَهُه فلا بُدَّ له منه فِي كُلِّ حالٍ، وفي كُلِّ وقتٍ، وأينمَا كَانَ فهو مَعَهُ. ولهَذَا قَالَ إِمَامُنا إبْرَاهِيمُ الخَليلُ صلى الله عليه وسلم : {لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ [الأنعام: 76] .

والمخلوقُ لَيْسَ عندَهُ للعَبْدِ نَفعٌ ولا ضَررٌ، ولا عطَاءٌ ولا منعٌ، ولا هُدًى ولا ضَلالٌ، ولاَ نصرٌ ولا خذْلاَن، ولا خَفضٌ ولا رَفْعٌ، ولا عِزٌّ ولا ذُلٌّ، بل رَبُّهُ هو الَّذِي خلقَهُ ورزَقَهُ وبصَّرَه وهُدَاهُ وأسبَغَ عَلَيْه


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (2856)، ومسلم رقم (30).