×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 وذِكْرُ آياتٍ فِي هَذَا المَعنى تَدلُّ عَلَى أَنَّ اليهودَ مَغضوبٌ عَلَيْهم، والنَّصارى ضَالُّون؛ مِصْداقًا لقولِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم .

ثُمَّ قَالَ رحمه الله : ولمَّا أمرَنَا اللهُ سُبْحانَه أنْ نَسأَلَه فِي كُلِّ صلاةٍ أن يَهدِيَنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاط الَّذِينَ أنعَمَ عَلَيْهم مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهدَاءِ والصَّالِحِينَ المُغايرين للمُغْضُوبِ عَلَيْهم وللضَّالِّين، كَانَ ذَلِكَ ممَّا يبيِّنُ أَنَّ العبْدَ يُخَافُ عَلَيْه مِنَ الانحرافِ إِلَى هذينِ الطَّريقَينِ، وقَدْ وقَعَ ذَلِكَ كَمَا أخبرَ بهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ: «لَتَسْلُكُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ مَعَهُمْ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ إِذًا؟». وهُوَ حديثٌ صحيحٌ ([1]).

وكَانَ السَّلَفُ يرونَ أنَّ مَنِ انحَرَفَ مِنَ العُلمَاءِ عَنِ الصِّراطِ المستقيمِ ففِيه شَبهٌ مِنَ اليهودِ. ومَنِ انحرفَ مِنَ العُبَّادِ ففيه شَبهٌ مِنَ النَّصارَى؛ كَمَا يُرَى فِي أصُولِ مُنحرفةِ أهْل ِالعلمِ مِن تَحْرِيفِ الكَلِمِ عن مَواضِعِه، وقَسْوَةِ القُلوبِ، والبُخْلِ بالعِلْمِ، والكِبْرِ، وأمْرِ النَّاسِ بالبِرِّ ونِسيانِ أنفُسِهم، وغير ذَلِكَ.

وَكَمَا يُرَى فِي منحَرفَةِ أهْلِ العبَادةِ والأحوالِ مِنَ الغُلُوِّ فِي الأنبياءِ والصَّالحِينَ والابتِدَاعِ فِي العبَادَاتِ، ولهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([2]).


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (7320)، ومسلم رقم (2669).

([2])أخرجه: البخاري رقم (3445).