×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ»، والاسْتِرْقَاءُ طلَبُ الرُّقيَةِ، وهُوَ نوعٌ مِنَ السُّؤالِ.

قَالَ رحمه الله : وأحادِيثُ النَّهيِ عن مَسأَلَةِ النَّاسِ كثِيرَةٌ؛ كقَولِهِ: «لاَ تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلاَّ لِثَلاَثَةٍ» ([1])، وقولُهُ: «لأَِنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ...» ([2])، وقولُهُ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ» ([3])، وأمثال ذَلِكَ.

وهَذَا الَّذِي ذكَرَه الشَّيْخُ مِنَ الآياتِ والأحاديثِ شرَحٌ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ» ([4])؛ إذْ مفهُومُه المَنعُ من سَؤالِ غَيرِ اللهِ، وَذَلِكَ أن يَسألَ النَّاسَ شيئًا من أُمورِ الدُّنْيَا لمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الذِّلَّةِ والافتِقَارِ إِلَى غيرِ اللهِ؛ فأمَّا سُؤالُ أهْلِ العِلمِ فإِنَّه غيرُ دَاخلٍ فِي هَذَا المَنعِ؛ لأَنَّ اللهَ قَدْ أمرَ به فِي قولِهِ: {فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ [النحل: 43] ، والمقصودُ سُؤَالُهم عن أُمورِ الدِّينِ الَّتِي تُشْكَلُ عَلَى السَّائِلِ.

قَالَ رحمه الله : فأمَّا سُؤالُ ما يسوغُ مِنَ العلمِ فلَيْسَ من هَذَا البابِ؛ لأَنَّ المُخبِرَ لا يُنْقِصُ الجوابُ من علمِهِ بل يزْدَادُ بالجَوابِ، والسَّائِلُ محتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم : «أَلا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا؟ ! فَإِنَّمَا شِفَاء العي السُّؤَال» ([5])، ولكن مِنَ المسائلِ ما ينْهَى عَنه؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا تَسۡ‍َٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ [المائدة: 101] ، وكنَهْيِهِ عن أُغْلُوطَاتِ المَسَائلِ ([6])، ونحوِ ذَلِكَ.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (1044).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2074)، ومسلم رقم (1042).

([3])أخرجه: أبو داود رقم (1626)، والترمذي رقم (651)، والنسائي رقم (2373)، وابن ماجه رقم (1840).

([4])أخرجه: الترمذي رقم (2516)، وأحمد رقم (2669)، وأبو يعلى رقم (2556).

([5])أخرجه: أبو داود رقم (336)، وابن ماجه رقم (572)، والدارمي رقم (779)، وأحمد رقم (3056).

([6])أخرجه: أبو داود رقم (3656)، وسعيد بن منصور في «سننه» رقم (1179)، والطبراني في «الأوسط» رقم (8204).