×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

ثُمَّ استشْكَلَ الشَّيْخُ رحمه الله قَضيَّةَ طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنَ الغَيرِ؛ هلْ هي مِنَ السُّؤالِ المَمنُوعِ أو مِنَ السُّؤالِ الجائِزِ؟ فقَالَ رحمه الله : وأَمَّا سُؤَالُه لغَيْرِه أنْ يَدْعُوَ له، فقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعُمَرَ: «لاَ تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ» ([1])، وقال: «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ([2]).

وقَدْ يُقَالُ هَذَا هو: طَلبَ مِنَ الأُمَّةِ الدُّعَاءَ له؛ لأَنَّهُم إِذَا دَعَوْا له حَصَلَ لهُم مِنَ الأجْرِ أكْثر ممَّا لو كَانَ الدُّعاءُ لأنفُسِهم. كَمَا قَالَ الَّذِي قَالَ: أجْعَلُ صَلاتِي كُلَّها عَلَيْكَ فقَالَ: «إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ» ([3])، فطلبُهُ مِنْهُم الدُّعاءَ له لمَصْلَحتِهم كسَائِر أمْرِه إيَّاهُم بمَا أمَرَهم به، وَذَلِكَ لما فِي ذَلِكَ مِنَ المصْلَحَةِ لهم؛ فإِنَّه قَدْ صَحَّ عنه أَنَّه قَالَ: «ما مِن رجل يَدعُو لأَخِيهِ بِظَهرِ الغَيبِ بِدَعْوَةٍ إلاَّ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكًا كُلَّمَا دَعَا دَعْوَةً قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ مِثْلَهُ» ([4]).

وقَالَ رحمه الله فِي كِتَابِ «التوسُّلِ والوسيلَةِ»: «وأَصْلُ سُؤالِ الخَلْقِ الحاجَاتِ الدُّنيَوِيَّةِ الَّتِي لا يَجِبُ عَلَيْهم فعِلُهَا لَيْسَ وَاجبًا عَلَى السَّائلِ ولا مُستحَبًّا؛ بل المَأْمُورُ به سُؤالُ اللهِ تَعَالَى والرَّغبَةُ إليه والتَّوكُّلُ عَلَيْه؛


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (1498)، والترمذي رقم (3562)، وابن ماجه رقم (2894)، وأحمد رقم (195).

([2])أخرجه: مسلم رقم (384).

([3])أخرجه: التِّرْمِذِيّ رقم (2457)، وأحمد رقم (21242)، والطبراني في «الكبير» رقم (3574).

([4])أخرجه: مسلم رقم (2732).