×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 كثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَطِيرُ فِي الهواءِ وتَكُونُ الشَّياطِينُ هي الَّتِي تحْمِلُه؛ لا يَكُونُ من كرَامَاتِ أولِيَاءِ اللهِ المُتَّقين. ومن هَؤُلاَءِ من يحْمِلُه الشَّيطَانُ إِلَى عرفَات فيَقِفُ معَ النَّاسِ ثُمَّ يحْمِلُه فيَرُدُّه إِلَى مَدِينَتِه تِلْكَ اللَّيلة، ويظنُّ هَذَا الجاهِلُ أنَّ هَذَا من أوليَاءِ اللهِ ولا يعْرِفُ أَنَّه يجِبُ عَلَيْه أن يتُوبَ من هَذَا، وإنِ اعتقَدَ أنَّ هَذَا طاعَةٌ وقُربةٌ فإِنَّه يُستتَابُ، فإنْ تَابَ وإِلاَّ قُتِلَ؛ لأَنَّ الحَجَّ الَّذِي أمرَ اللهُ به ورَسُولُه لا بُدَّ فِيهِ مِنَ الإحرامِ والوُقُوفِ بعرَفَة، ولا بُدَّ فِيهِ من أن يَطُوفَ بعدَ ذَلِكَ طوافَ الإفَاضَةِ؛ فإِنَّه رُكْنٌ لا يتِمُّ الحَجُّ إلاَّ به، بل عَلَيْه أن يقِفَ بمُزدلفَة ويَرميَ الجِمَارَ ويَطُوفَ للودَاعِ، وعَلَيْه اجْتِنَابُ المَحْظُورَاتِ، والإِحْرَامُ مِنَ الميقَاتِ إِلَى غيرِ ذَلِكَ من واجِبَاتِ الحَجِّ.

وهَؤُلاَءِ الضَّالُّونَ الَّذِينَ يُضِلُّهُم الشَّيطَانُ يحْمِلُهم فِي الهَوَاءِ، يحمِلُ أحدَهُم بثِيَابِه فيَقِفُ بعَرَفَة، ويرجِعُ تِلْكَ اللَّيلة حَتَّى يُرَى فِي اليَومِ الوَاحِدِ ببلَدِه، ويُرَى بعَرَفَة، ومنهم من يتصَوَّرُ الشَّيطانُ بصُورَتِه ويَقِفُ بعَرَفَة فيَرَاهُ مَن يَعْرِفُهُ وَاقفًا فيظنُّ أَنَّه ذَلِكَ الرَّجُل وقفَ بعَرَفة، ومثل هَذَا وأمثَاله يقَعُ كَثِيرًا وهِيَ أحْوَالٌ شَيطَانِيَّة، قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ [الزخرف: 36] ، وذِكْرُ الرَّحْمَنِ هو الذِّكْرُ الَّذِي أنزلَهُ اللهُ عَلَى نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ [الحجر: 9] .

فالأحوالُ الرَّحمانِيَّةُ كرَامَاتٌ سبَبُهَا الإيمَانُ، وهي: نعْمَةٌ مِنَ اللهِ عَلَى عبدِهِ لحُجَّةٍ فِي الدِّينِ، أو لحَاجَةٍ بالمُسْلِمينَ، وأَمَّا أصحابُ الأحوالِ الشَّيطانيةِ فهُم من جِنْسِ الكُهَّانِ يكْذِبُونَ تارَةً ويَصْدِقُونَ أُخْرَى، ولا بُدَّ فِي أعَمَالِهم من مُخَالَفَةٍ للأمْرِ، ولهَذَا يُوجَدُ الواحِدُ مِنْهُم مُلاَبسًا


الشرح