×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

قَالَ الشَّيْخُ: فمَنْ ظنَّ أَنَّ النَّذرَ للمخْلُوقِينَ يجْلِبُ له منفَعَةً أو يدْفَعُ عنه مضَرَّةً فَهُوَ مِنَ الضَّالِينَ، كالَّذِينَ يظُنُّونَ أنَّ عبادَةَ المخْلُوقِين تَجْلِبُ لهم مَنفعَةً أو تَدْفَعُ عنهم مضرَّةً.

ثُمَّ أجابَ رحمه الله عَمَّا يحصُلُ للمُشْرِكينَ عندَ الأضْرِحَةِ وغيرِها مِنَ الكلامِ الَّذِي يسمَعُونَه حَتَّى يظنُّوا أَنَّ المَيِّتَ يُخَاطِبُهم، أو ما يحصُلُ لهم مِنَ الطَّيرانِ فِي الهواءِ، أو الإِخْبَارِ عَنِ الأمورِ الغائِبَةِ حَتَّى يَظنُّوا أنَّ ذَلِكَ مِنَ الكرامَةِ الَّتِي تحصُلُ لهم ببَرَكَةِ الأمْوَاتِ أو الأصنامِ، فقَالَ: وهَؤُلاَءِ المُشْرِكُون قَدْ تتمثَّلُ لهمُ الشَّياطِينُ، وقَدْ تُخَاطبُهُم بكلامٍ، وقَدْ تحمِلُ أحَدَهُم فِي الهواءِ، وقَدْ تُخْبِرُه ببعْضِ الأمورِ الغائِبَةِ، وقَدْ تَأْتِيهِ بنفَقَةٍ أو طعَامٍ أو كِسْوَةٍ أو غيرِ ذَلِكَ كَمَا جرَى مثل هَذَا لعُبَّادِ الأصْنَامِ مِنَ العرَبِ وغيرِ العرَبِ، وهَذَا كثيرٌ، موجودٌ فِي هَذَا الزَّمانِ وغير هَذَا الزَّمَانِ، للضَّالِّينَ المُبتدِعين المُخَالفِينَ للكِتَابِ والسُّنَّةِ إمَّا بعبادَةِ غَيرِ اللهِ، وإمَّا بعبادَةٍ لَمْ يُشرِّعْها اللهُ، وهَؤُلاَءِ إِذَا أظهَر أحَدُهُم شيئًا خارقًا للعادَةِ لم يخْرُجْ عن أن يَكُونَ حالاً شَيطَانِيًّا أو حالاً بُهتَانِيًّا.

فخَوَاصُّهم تقْتَرِنُ بهم الشَّياطِينُ، لكن لا تَقتَرِنُ بهم الشَّياطِينُ إلاَّ مع نَوعٍ مِنَ البِدْعَةِ: إمَّا كُفْرٌ، وإمَّا فِسقٌ، وإمَّا جهلٌ بالشَّرعِ. فإِنَّ الشَّيطانَ قصْدُه الإغْوَاءَ بحَسبِ قُدْرَتِه؛ فإنْ قَدرَ عَلَى أن يَجْعلَهُم كُفَّارًا جعَلَهُم كُفَّارًا، وإن لَمْ يقْدِرْ إلاَّ عَلَى جَعلِهم فُسَّاقًا أو عُصاةً جعلَهَم كَذَلِكَ، وإن لَمْ يَقدِرْ إلاَّ عَلَى نقصِ عَمَلِهِم ودِينِهم ببدْعَةٍ يرتَكِبُونَها يُخَالِفُون بها الشَّريعَةَ الَّتِي بعثَ اللهُ بها رَسُولَه صلى الله عليه وسلم ؛ فينَتَفِعُ مِنْهُم بذلِكَ.

ولهَذَا قَالَ الأئِمَّةُ: لو رأَيتُم الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الهوَاءِ أو يَمشِي عَلَى الماءِ فلا تغتَرُّوا به حَتَّى تنظُرُوا وقُوفَهُ عند الأمرِ والنَّهيِ، ولهَذَا يُوجَدُ


الشرح