×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وأَمَّا الرُّبوبيَّةُ فكَانوا مُقرِّينَ بها؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ ٨٦ سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٨٧ [المؤمنون: 86- 87] إِلَى قولِهِ: {فَأَنَّىٰ تُسۡحَرُونَ [المؤمنون: 89] ، وما اعتقدَ أحدٌ مِنْهُم قّط أَنَّ الأصنَامَ هي الَّتِي تُنزِّلُ الغيثَ، وترزُقُ العَالمَ وتدبِّرُه، وإِنَّمَا كَانَ شِرْكُهم كَمَا ذكرنا: اتَّخَذُوا من دُونِ اللهِ أندادًا يحِبُّونَهم كحُبِّ اللهِ، وهَذَا المعنى يَدلُّ عَلَى أنَّ من أحَبَّ شيئًا من دُونِ اللهِ كَمَا يُحِبُّ اللهَ تَعَالَى فقَدْ أشْرَكَ، وهَذَا كقَولِهِ: {قَالُواْ وَهُمۡ فِيهَا يَخۡتَصِمُونَ ٩٦تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٩٧إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٨ [الشعراء: 96- 98] وكَذَا من خَافَ شَيئًا كَمَا يخافُ اللهَ، أو رَجَاهُ كَمَا يَرجُو اللهَ وما أشْبهَ ذَلِكَ.

وأَمَّا النَّوع الثَّانِي: فالشِّرْكُ فِي الرُّبوبيَّةِ فإِنَّ الرَّبَّ سُبْحانَه هو المَالِكُ المُدبِّرُ المُعطِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ الخَافضُ الرَّافِعُ المُعِزُّ المُذِلُّ؛ فمن شَهِدَ أَنَّ المُعطِيَ أو المَانِعَ أو الضَّارَّ أو النَّافِعَ أو المُعِزَّ أو المُذِلَّ غيرُهُ فقَدْ أشرَكَ بربوبِيَّتِه، قَالَ:

لأَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا للهِ تَعَالَى؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ [النحل: 53] ، وقَالَ تَعَالَى: {كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ [الإسراء: 20] ، فاللهُ سُبْحانَه هُو المُعطِي عَلَى الحَقِيقَةِ فإِنَّه هُو الَّذِي خَلقَ الأرْزَاقَ وقدَّرها وسَاقَها إِلَى من يشَاءُ من عبَادِه، ومِمَّا يقوِّي هَذَا المعْنَى قولُهُ صلى الله عليه وسلم لابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما : «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُْمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَْقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» ([1])، قَالَ التِّرمذِيُّ: هَذَا حديثٌ صحيحٌ. فهَذَا يدُلُّ عَلَى أَنَّه


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2516)، وأحمد رقم (2669)، وأبو يعلى رقم (2556).