المحَامِدِ؛ فدَلَّ عَلَى أَنَّ الحَمْدَ كُلَّه
للهِ، ثُمَّ حصرَهُ فِي قولِهِ: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] ،
فهَذَا تفْصِيلٌ لقَولِهِ: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2] ، فهَذَا يدُلُّ عَلَى أَنَّه لا
يستَحِقُّ أن يُعبَدَ أحدٌ سِوَاه، فقولُهُ: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]
إشارَةٌ إِلَى عبادَتِه بما اقْتَضَتْهُ الرُّبوبيَّةُ مِنَ التَّوكُّلِ
والتَّفويضِ والتَّسليمِ؛ لأَنَّ الرَّبَّ سُبْحانَه هو المَالكُ، وفيه أيضًا معنى
الرُّبوبيةِ والإصلاحِ، والمالكُ الَّذِي يتصرَّفُ فِي مُلكِهِ كَمَا يشَاءُ،
إِلَى أَن قَالَ رحمه الله : ولهَذَا قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيةَ {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] ؛ جمَعَتْ أسرَارَ القرآنِ؛ لأنَّ
أوَّلَها اقْتَضَى عبَادَته بالأمْرِ والنَّهيِ والمَحبَّةِ والخَوفِ والرَّجاءِ،
كَمَا ذكَرْنَا، وآخِرُهَا اقْتضَى عبَادَته بالتَّفْوِيضِ والتَّسْلِيمِ،
وجَمِيعُ العبودِيَّاتِ داخِلَةٌ فِي ذَلِكَ، إِلَى أَن قَالَ: فإِذَا تقرَّرَ هَذَا:
فالشِّرْكُ الذي يكْفُرُ به صاحِبُهُ: هو نوعانِ؛ شركٌ فِي الإلهِيَّةِ
وشركٌ فِي الرُّبوبِيَّةِ.
فأمَّا الشِّرْكُ فِي الإلهِيَّةِ: فَهُوَ أن يجْعَلَ للهِ نِدًّا - أي: مِثْلاً - فِي عبادَتِهِ، أو محبَّتِه، أو خَوفِهِ، أو رَجَائِه، أو إنابَتِه. فهَذَا هو الشِّركُ الَّذِي لا يغْفِرُهُ اللهُ إلاَّ بالتَّوبةِ منه، قَالَ تَعَالَى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38] ، وهَذَا هُو الَّذِي قاتَلَ عَلَيْه رَسُولُ اللهِ مُشْرِكِي العرَبِ؛ لأَنَّهم أشْرَكُوا فِي الإلهِيَّةِ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ﴾ [البقرة: 165] الآية، وقَالُوا: {مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزمر: 3] الآية، وقَالُوا {أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ﴾ [ص: 5] ، وقَالَ تَعَالَى: {ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَأَلۡقِيَاهُ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ﴾ [ق: 26] .