الَّذِي لَم يُشرِكْ هو الآمِرُ المُهتَدِي،
وهَذِهِ آيةٌ عظيمَةٌ تنفَعُ المُؤمِنَ الحَنِيفَ فِي مَواضِعَ؛ فإِنَّ الإشراكَ
فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أخْفَى من دَبِيبِ النَّملِ. دَعْ جلِيلَهُ! وهُوَ شركٌ فِي
العبَادَةِ والتَّألُّهِ، وشِركٌ فِي الطَّاعةِ والانقِيَادِ، وشِركٌ فِي الإيمانِ
والقَبولِ.
فالغَالِيةُ
مِنَ النَّصارَى والرَّافِضَةِ وضُلاَّلِ الصُّوفِيَّةِ والفُقرَاءِ والعامَّةِ
يشْرِكُونَ بدُعاءِ غَيرِ اللهِ تارَةً وبنَوعٍ من عبَادَتِه أُخْرَى وبِهِمَا
جَمِيعًا تارَةً، ومَن أشْرَكَ هَذَا الشِّركَ أشركَ فِي الطَّاعةِ.
وكثيرٌ مِنَ المتفقِّهَةِ
وأجنَادِ المُلوكِ وأتبَاعِ القُضاةِ والعَامَّةِ المُتَّبِعةِ لهَؤُلاَءِ
يُشْرِكُونَ شركَ الطَّاعةِ، وقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لعَدِيِّ
بنِ حاتِمٍ لمَّا قرَأَ: {ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ
أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ﴾ [التوبة: 31] ، فقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما
عَبدُوهُم! فقَالَ: «مَا عَبَدُوهُمْ
وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمُ الحَرَامَ فأَطَاعُوهُمْ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الحَلاَلَ
فأَطَاعُوهُمْ» ([1])، فتجِدُ أحَدَ المُنحَرِفِينَ يجعَلُ الواجِبَ ما
أوجَبَهُ متْبُوعُه، والحرَامَ ما حرَّمَهُ، والحَلالَ ما حلَّلَهُ، والدِّينَ ما
شَرعَهُ إمَّا دينًا وإمَّا دُنْيَا، وإمَّا دِينًا ودُنْيا. ثُمَّ يخوِّفُ من
امْتَنعَ من هَذَا الشِّركِ وهُوَ لا يخَافُ أَنَّه أشْرَكَ به شيئًا فِي طَاعَتِه
بغيرِ سُلْطانٍ مِنَ اللهِ، وبهَذَا يخرجُ من أوجَبَ اللهُ طاعَتَهُ من أَميرٍ
وعالِمٍ ووالِدٍ وشَيخٍ، وغيرِ ذَلِكَ.
وأَمَّا الشِّركُ الثَّانِي: فكثيرٌ من أتبَاعِ المتكَلِّمَةِ - يعني: علمَاءَ الكلامِ - والمُتفلْسِفَةِ، بل وبعضُ المتفَقِّهَةِ والمتصَوِّفَةِ، بل وبعْضُ أتبَاعِ المُلوكِ والقُضَاةِ يقْبَلُ قَولَ متْبُوعِه فيمَا يُخْبِرُ به مِنَ الاعتقاداتِ الخبرِيَّةِ ومن تَصْحِيحِ بعْضِ المقَالاتِ، وإِفْسَادِ بعْضِهَا ومدْحِ بعضِهَا وبعض القَائِلِينَ،
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3095)، والطبراني في «الكبير» رقم (218).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد