×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 وذَمِّ بعضٍ بلاَ سُلطانٍ مِنَ اللهِ، ويخافُ ما أشْركَهُ فِي الإيمانِ، والقبول ولا يخَافُ إشْرَاكَهُ باللهِ شخصًا فِي الإيمانِ بهِ، وقَبُولِ قَولِهِ بغَيرِ سُلْطَانٍ مِنَ اللهِ، وبهَذَا يخرُجُ من شَرَعَ اللهُ تَصْدِيقَه مِنَ المرسَلِينَ والعُلمَاءِ المُبلِّغِينَ والشُّهدَاءِ الصَّادِقِينَ وغَير ذَلِكَ، فبابُ الطَّاعَةِ والتَّصدِيقُ ينقَسِمُ إِلَى مشروعٍ فِي حَقِّ البَشَرِ وغَيرِ مَشروعٍ.

وأَمَّا العبادَةُ والاستعانَةُ والتَّأَلُّهُ - وهَذَا هو القِسْمُ الثَّالِثُ - فلا حَقَّ فِيهَا للبَشَرِ، فإِنَّه كَمَا قَالَ القائِلُ: ما وَضَعْتُ يَدِي فِي قَصعَةِ أحدٍ إلاَّ ذَللتْ لَه. ولا رَيبَ أنَّ من نصرَكَ ورزَقَكَ كَانَ له سلطانٌ عَلَيْكَ. فالمُؤْمِنُ يُرِيدُ أنْ لا يَكُونَ عَلَيْه سُلطَانٌ إلاَّ للهِ ولرسُولِهِ ولمَنْ أطَاعَ اللهَ ورَسُولَهُ، وقبولُ مَالِ النَّاسِ فِيهِ سُلْطَانٌ لهُم عَلَيْه. فإِذَا قصدَ دفْعَ هَذَا السُّلطانِ وهَذَا القهْرِ عن نَفْسِه كَانَ حَسَنًا محْمُودًا يصِحُّ له دِينهُ بذلِكَ، وإن قصَدَ التَّرفُّعَ عَلَيْهم والتَّرَأُّسَ والمُرَاءاةَ بالحَالِ الأَولَى كَانَ مَذْمُومًا، وقَدْ يقصدُ بتركِ الأخْذِ غنَى نفْسِهِ عنهم ويتْرُكُ أمْوَالَهُم لَهُم؛ فهَذِهِ أرْبَعُ مقَاصِدَ صَالِحَةٍ: غنَى نَفْسِه، وعِزَّتُهَا حَتَّى لا تفْتَقِرَ إِلَى الخلقِ ولا تَذلَّ لهُم، وسَلامَةُ مَالِهم ودِينِهِم عَلَيْهم حَتَّى لا تنقُصَ عَلَيْهم أموالُهُم، فلا يُذْهِبهَا عنهم، ولا يُوقِعُهم بأخْذِهَا فيمَا يُكْرَهُ لهم مِنَ الاستِيلاَءِ عَلَيْه. ففي ذَلِكَ منفعةٌ له أنْ لا يذِلَّ ولا يفْتَقِرَ إليهم، ومنفعةٌ لهم أنْ يبْقَى مَالُهُم ودِينُهُم. وقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ منفعةٌ بتَأْلِيفِ قلُوبِهِم بإبْقَاءِ أمْوَالِهم لهم حَتَّى يَقْبَلُوا منه.

وقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ حِفْظُ دَينِهِم فإِنَّهم إِذَا قُبِلَ مِنْهُم المالُ قَدْ يَطْمَعُونَ هم أيضًا فِي أنْوَاعٍ مِنَ المَعَاصِي ويتْرُكُونَ أنْوَاعًا مِنَ الطاعَاتِ؛ فلا يَقْبَلُون الأمْرَ بالمَعْرُوفِ والنَّهيَ عَنِ المنكَرِ، وأَمَّا إِذَا كَانَ الأخْذُ 


الشرح