×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٨٠ [آل عمران: 79- 80] ، قَالَ: فبيَّنَ سُبْحانَه أنَّ اتِّخاذَ المَلائكَةِ والنَّبيِّينَ أربابًا كُفْرٌ؛ فمَن جَعَلَ الملائِكَةَ والأنبِيَاءَ وَسائِطَ يَدْعُوهُم ويتوكَّلُ عَلَيْهم، ويَسْأَلُهم جَلْبَ المنَّافِعِ ودَفْعَ المَضارِّ، مثل أنْ يسْأَلَهم غُفرانَ الذَّنبِ، وهدايَةَ القُلوبِ، فَهُوَ كافِرٌ بإجْمَاعِ المُسْلِمينَ.

قَالَ: ومَن سوَّى الأنبِيَاءَ من مَشَايخِ العِلمِ والدِّين فمَن أثبتَهُم وسَائِطَ بينَ الرَّسُولِ وأُمَّتِه يُبَلِّغُونَهم ويُعلِّمُونَهم ويُؤَدِّبُونهم ويَقْتَدُونَ بِهم فقَدْ أصَابَ فِي ذَلِكَ، وهَؤُلاَءِ - يعني: العُلماء - إِذَا أجمَعُوا فإجْمَاعُهُم حُجَّةٌ قاطِعَةٌ؛ لا يجْتَمِعُونَ عَلَى ضلاَلَةٍ، وإن تنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَدُّوه إِلَى اللهِ والرَّسُولِ؛ إذِ الوَاحِدُ مِنْهُم لَيْسَ بمعْصُومٍ عَلَى الإطلاقِ، بل كُلُّ أحَدٍ يُؤْخَذُ من قَولِهِ ويُتْرَكُ إلاَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَْنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَْنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» ([1])، فالعُلماءُ وسَائِطُ بهَذَا المَعْنى، وأَمَّا من جعَلَهُم وسَائِطَ بينَ اللهِ وبينَ خَلْقِه كالحُجَّابِ الَّذِينَ بينَ المَلكِ ورَعيَّتِه بحَيْثُ يَكُونُون هُم يرْفَعُونَ إِلَى اللهِ حَوائجَ خَلْقِه! فالخلقُ يسْأَلُونَهم وَهُمْ يَسأَلُونَ اللهَ! فمن أثبَتَهُم وسَائِطَ عَلَى هَذَا الوجْهِ فَهُوَ كافِرٌ مُشْركٌ، يجِبُ أن يُستَتَابَ فإِنْ تَابَ وإِلاَّ قُتِلَ؛ لأنَّ هَذَا من تَشْبِيهِ المخلوقِ بالخَالقِ واتِّخاذِ الأندَادِ له.

هَذَا ما قرَّرهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ فِي هَذِهِ المسألَةِ المُهِمَّةِ - الَّتِي هي اتِّخَاذُ الوسَائِطِ - حَيْثُ بيَّنَ أنَّ وساطَةَ الرُّسُلِ بينَ اللهِ وبينَ خلْقِهِ وسَاطَةَ تَبْليغٍ


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2682)، وأبو داود رقم (3641)، وابن ماجه رقم (223)، وأحمد رقم (21715).