×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 ومن أنكَرَ هَذِهِ الواسِطَةَ فَهُوَ كَافِرٌ بإجْمَاعِ أهْلِ المِلَلِ، يعني: لأَنَّه كَافِرٌ بالرُّسُلِ ومُكَذِّبٌ لهُم.

وقَدْ قَصَّ اللهُ قَصصَ الكُفَّارِ الَّذِينَ كذَّبُوا الرُّسُلَ كيفَ أهْلَكَهُم ونصَرَ رُسُلَهُ والَّذِينَ آمنُوا.

قَالَ: فهَذِهِ الوَسائِطُ تُطاعُ وتتَّبَعُ ويُقْتدَى بهَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ َ [النساء: 64] ، وقال: {مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ [النساء: 80] ، {قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ [آل عمران: 31] .

ثُمَّ بيَّنَ رحمه الله الوَاسِطَةَ الأُخْرَى عَلَى مَن أثْبَتها كَفَرَ، فقَالَ: إنْ أرادَ بالوَاسِطَةِ أَنَّه لا بُدَّ من واسِطَةٍ فِي جَلْبِ المنَافِعِ ودفعِ المضَارِّ، مثل أن يَكُونَ واسطَةً فِي رِزْقِ العبَادِ ونَصْرِهم وهُدَاهم، يَسْألُونَه ذَلِكَ ويَرجُونَه فِيهِ فهَذَا من أعظَمِ الشِّركِ الَّذِي كفَّر اللهُ به المُشْرِكين، حَيْثُ اتَّخذُوا من دُونِه أوليَاءَ وشُفعَاءَ يجْتَلِبُون بهم المَنافِعَ ويجْتَنِبُونَ المضَارَّ.

ثُمَّ استَثْنَى رحمه الله الشَّفاعةَ الَّتِي يَأْذَنُ اللهُ بها لمَنْ رَضِي قَولَهُ وعمَلَه، فقَالَ: لكن الشَّفاعَة لمن يأْذَنُ اللهُ له فِيهَا حقٌّ.

ثُمَّ قَالَ: فمن جَعَلَ الملائِكَةَ والأنبِيَاءَ وسَائِطَ يَدْعُوهُم ويتوَكَّلُ عَلَيْهم ويَسْألُهم جَلْبَ المنَافِعِ ودَفعَ المضَارِّ، مثل: أن يسْأَلَهم غُفْرَانَ الذُّنوبِ، وهِدَايةَ القُلوبِ، وتفرِيجَ الكُرُوبِ، وسَدَّ الفَاقاتِ فَهُوَ كافرٌ بإجماعِ المُسْلِمينَ.

وذكرَ الآياتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ، ومنها قَولُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩


الشرح