ثُمَّ بيَّنَ
الشَّيْخُ رحمه الله دُعاءَ الخلقِ بعضِهم لبعضٍ شفاعَةً، ولكن لا بُدَّ لهَذَا
الدُّعاءِ من شُروطٍ وهي: أن يَكُونَ المدعُو له مُسلمًا غير مشْرِكٍ، وأن يَدْعُو
الدَّاعيَ بما يصْلحُ، فقَالَ: ولا رَيبَ أنَّ دُعاءَ الخَلْقِ بعضِهم لبعضٍ نَافعٌ،
واللهُ قَدْ أمرَ بذَلِكَ لكنَّ الدَّاعيَ الشَّافِعَ لَيْسَ له أَن يَدْعُو وأن
يَشْفَعَ إلاَّ أنْ يَأْذَنَ اللهُ له فِي ذَلِكَ، فلا يشْفَعُ شفاعَةً نُهِيَ
عنها، كالشَّفاعَةِ للمُشرِكِينَ والدُّعاءِ لَهُم بالمَغْفِرَةِ، قَالَ تَعَالَى:
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ
وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ
ٱلۡجَحِيمِ ١١٣وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ
وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ
مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ ١١٤﴾ [التوبة: 113- 114] ، وقَدْ ثبَتَ فِي الصَّحِيحِ
([1]) أَنَّ اللهَ نهَى نَبِيَّهُ عَنِ الاستِغْفَارِ
للمشْرِكِينَ والمُنَافِقينَ، وأخْبَرَ أَنَّه لا يغفِرُ لَهُم كَمَا فِي قولِهِ: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ﴾ [النساء: 48] وقولُهُ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ
مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ
وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾ [التوبة: 84] ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55] ؛ أي: فِي الدُّعاءِ، ومن
الاعتِدَاءِ فِي الدُّعاءِ أن يسَألَ العَبدُ مَا لَمْ يكُنِ الرَّبُّ ليفْعَله،
مثل: أنْ يسَأَلَه منَازِلَ الأنبِيَاءِ ولَيْسَ مِنْهُم، أو المغْفِرَة
للمُشْرِكِين، ونحو ذَلِكَ، أو يسْأَلَه ما فِيهِ معصِيةُ اللهِ كإِعَانتِه عَلَى
الكُفْرِ والفُسُوقِ والعِصْيَانِ.
وكلُّ داعٍ فَهُوَ شافِعٌ، ولا يَكُونُ دُعَاؤُه وشفَاعَتُه إلاَّ بقضَاءِ اللهِ وقَدَرِه ومشِيئَتِه وهُوَ الَّذِي يُجِيبُ الدُّعاءَ ويَقْبلُ الشَّفاعَةَ فَهُوَ الَّذِي خلقَ السَّببَ والمُسبَّبَ، والدُّعاءُ من جُمْلَةِ الأسبَابِ الَّتِي قدَّرَهَا اللهُ سبحانه وتعالى ، وإِذَا كَانَ
([1])انظر: مسلم رقم (2774).
الصفحة 4 / 471