×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 النَّاسُ، وما شَاءَ النَّاسُ لا يَكُونُ إلاَّ أنْ يشَاءَ اللهُ.

الثَّانِي: أَنَّه لا يَجوزُ أن يعتَقِدَ أَنَّ الشَّيءَ سَببٌ إلاَّ بعِلْمٍ، فمَنْ أثْبَتَ شيئًا سَببًا بلاَ عِلْمٍ أو يُخَالِفُ الشَّرعَ كَانَ مُبْطِلاً، مثل أنْ يظُنَّ أَنَّ النَّذرَ سَببٌ فِي حصُولِ النّعَمَّاء ودفْعِ البَلاءِ.

وقَدْ ثبت فِي «الصحيحين» عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ وَقاَلَ: «إِنَّهُ لاَ يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» ([1]).

الثَّالثُ: أَنَّ الأعَمَالَ الدِّينِيَّةَ لا يجُوزُ أنْ يُتَّخَذَ منها شَيْءٌ سببًا إلاَّ أنْ تَكُونَ مَشرُوعَةً؛ فإِنَّ العبادَاتِ مَبْنَاها عَلَى التَّوقِيفِ، فلا يَجُوزُ لإنسَانٍ أن يُشْرِكَ باللهِ فيَدْعُو غَيرَه وإِنْ ظَنَّ أنَّ ذَلِكَ سَببٌ فِي حُصُولِ بعضِ أغْرَاضِه وكذَلِكَ لا يُعْبَدُ اللهُ بالبِدَعِ المُخالِفَةِ للشَّريعَةِ وإن ظُنَّ ذَلِكَ؛ فإِنَّ الشَّياطِينَ قَدْ تُعِينُ الإنسَانَ عَلَى بعْضِ مقَاصِدِه إِذَا أشْرَكَ، وقَدْ يحصُلُ بالكُفْرِ والفُسوقِ والعِصْيَانِ بعْضُ أغْرَاضِ الإنسَانِ فلا يحلُّ له ذَلِكَ؛ إذِ المفسَدَةُ الحَاصِلَةُ بذَلِكَ أعظَم مِنَ المَصلَحَةِ به؛ إذ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بُعِثَ بتَحْصِيلِ المَصَالِحِ وتكْمِيلَها وتَعْطِيلِ المفَاسِدِ وتَقْلِيلها، فمَا أمرَ اللهُ به فمَصْلَحَتُه رَاجِحَةٌ وما نَهَى عنه فإن مَفْسدَتَه رَاجحة.

وقَالَ رحمه الله ردًّا عَلَى مَن قَالَ: إِنَّ اللهَ يسمَعُ الدُّعاءَ بواسِطَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إنْ أرادَ بذَلِكَ أَنَّ الإيمَانَ بمُحَمَّدٍ وطَاعَتِه والصَّلاَةِ والسَّلام عَلَيْه وسيلةً للعَبْدِ فِي قَبُولِ دُعَائِه وثَوابِ دُعَائِه فَهُوَ صَادِقٌ، وإنْ أرَادَ أَنَّ اللهَ لا يُجِيبُ الدُّعاءَ حَتَّى يرفَعَه إِلَى مَخلُوقٍ أو يُقْسِمُ عَلَيْه به، أو أنَّ نفْسَ الأنبِيَاءِ بِدُونِ الإيمَانِ بِهم وطَاعَتِهم وبِدُونِ شفَاعَتِهم وسِيلَةً فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، فقَدْ كذَبَ فِي ذَلِكَ، واللهُ أعلَمُ.

***


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (6608)، ومسلم رقم (1639).