إِلَى أَنْ
قَالَ: والمقْصُودُ هنا أنَّ من أثبَتَ وسَائِطَ بينَ اللهِ وبينَ خَلْقِه كالوَسَائِطِ
الَّتِي تَكُونُ بين الملوكِ والرَّعيَّةِ فَهُوَ مُشركٌ، بل هَذَا دينُ المشركينَ،
عُبَّاد الأوثَانِ؛ كَانُوا يَقُولون: إِنَّها تمَاثِيلُ الأَنبيَاءِ
والصَّالِحينَ، وإِنَّها وَسائِلٌ يتقَرَّبُون بِهَا إِلَى اللهِ، وهُوَ مِنَ
الشِّرْكِ الَّذِي أنكَرَهُ اللهُ عَلَى النَّصارَى حَيْثُ قَالَ: {ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ
وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا
وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة: 31] ، إِلَى أن قَالَ: وقَدْ بيَّنَ
اللهُ هَذَا التَّوحِيدَ فِي كِتَابِه وحسَمَ مادَّةَ الشِّرْكِ حَتَّى لا يخَافَ
أحدٌ غَيرَ اللهِ ولا يرجُو سِوَاهُ ولا يتوكَّلُ إلاَّ عَلَيْه، فقَالَ تَعَالَى:
{فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي
ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ﴾ [المائدة: 44] ، {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا
تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175] ؛ أي: يُخَوِّفُكُم أولِيَاءَه،
إِلَى أنْ قَالَ رحمه الله : ومعَ عِلْمِ المُؤمِنِ أَنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ
ومَلِيكُه فإِنَّه لا ينكِرُ ما خلقَه اللهُ مِنَ الأسبَابِ كَمَا جَعَلَ المَطَرَ
سببًا لإنبَاتِ النَّبَاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ
مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ
دَآبَّةٖ﴾ [البقرة: 164] ،
وَكَمَا جَعَلَ الشَّمسَ والقَمرَ سَببًا لما يخْلُقُه بهما، وَكَمَا جَعَلَ
الشَّفاعَةَ والدُّعاءَ سببًا لمَا يقْضِيه بذَلِكَ مثل صلاةِ المُسْلِمينَ عَلَى
جنازَةِ المَيِّتِ فإن ذَلِكَ مِنَ الأسبابِ الَّتِي يرحمه بها ويُثِيبُ عَلَيْها
المُصلِّينَ عَلَيْه، لكن ينْبَغِي أن يُعرَفَ فِي الأسبَابِ ثلاثَةُ أُمورٍ:
أَحَدُها: أَنَّ السَّببَ المُعيَّنَ لا يستَقِلُّ بالمَطْلُوبِ بل
لا بُدَّ معَهُ من أسبَابٍ أخَر، ومعَ هَذَا فلهَا موانِعُ؛ فإن لم يُكْمِلِ اللهُ
الأسبَابَ ويدْفَع المَوانِعَ لم يَحْصُلِ المَقْصُودُ، وهُوَ سُبْحانَه ما شاءَ
كَانَ وإن لَمْ يشَأ