×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

ومن الشُّبَهِ الَّتِي يُدْلِي بها المُجِيزُونَ للتَّوسُّلِ بالمخلوقينَ:

حديثُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا» ([1]).

وقَدْ أجابَ عنهُ الشَّيخُ رحمه الله : وهَذَا الحَدِيثُ من روايةِ عطيةَ العوفِي عن أبي سعيدٍ، وهو ضعيفٌ بإجماعِ أهلِ العلمِ، وقَدْ رُوِيَ من طريقٍ آخرَ وهُو ضعيفٌ أيضًا، ولفظُهُ لا حُجَّةَ فِيهِ فإنَّ حقَّ السائلينَ أن يُجيبَهُم وحقَّ العابدِينَ أن يُثِيبَهُم، وهو حقٌّ أحقَّهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى نفسِهِ الكريمةِ بوعدِهِ الصادقِ باتِّفَاقِ أهلِ العلمِ، وبإيجابِهِ عَلَى نفسِهِ، ثُمَّ قَالَ: وهَذَا بمنزلةِ الثَّلاثةِ الَّذِينَ سألوهُ فِي الغارِ بأعمالِهِمْ ([2])؛ فإِنَّه سأَلَهُ هَذَا ببرِّهِ العظيمِ لوالديْهِ، وسألَهُ هَذَا بِعِفَّتِهِ العظيمةِ عَنِ الفاحشةِ، وسألَهُ هَذَا بأدائِهِ العظيمِ للأمانةِ.

ومنَ الشُّبَهِ الَّتِي يُدلِي بها المجيزونَ للتَّوسُّلِ بالمخلوقينَ استدلالُهُم بقَوْلِهِ تَعَالى: {وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ [البقرة: 89] ، حيثُ كانتِ اليهودُ تَسْتَنْصِرُ عَلَى المشركينَ بمُحَمَّدٍ ويسألونَ بِهِ النَّصْرَ عَلَيْهم.

قَالَ الشَّيْخُ إِنَّ اليهودَ لم يَكُونوا يُقسمونَ عَلَى اللهِ بذاتِهِ ولا يسألُونَ بِهِ، وذكرَ أَنَّ النَّقلَ الثَّابِتَ أَنَّ اليَهُودَ كانتْ تَقُولُ للمشركينَ: سوف يُبعَثُ هَذَا النَّبِيُّ ونقاتِلُكُم معَهُ فنَقْتُلُكم، وهَذَا هو النَّقلُ الثَّابتُ عندَ أهلِ التَّفْسِيرِ وعَلَيْه يدلُّ القرآنُ؛ فإِنَّه قَالَ تَعَالَى: {وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ [البقرة: 89] ، والاستفتاحُ: الاستنصارُ، وهو طلبُ الفتحِ والنَّصرِ، فطَلَبُ


الشرح

([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (778)، وأحمد رقم (11156)، وابن الجعد في «مسنده» رقم (2031).

([2])أخرجه: البخاري رقم (3465)، ومسلم رقم (2743).