مِنْ مرضٍ
ونَحْوِهِ من مصائِبِ الدُّنْيا مَبْلغًا لدرجاتِ قصْرِ العملِ عنهَا، وسَبَقَ فِي
أمِّ الكِتَابِ أَنَّها سَتُنَالُ، وأن تَكُونَ الخِيَرِة فيمَا اختارَهُ اللهُ
لعبادِهِ المؤمنينَ، وقَدْ عَلِمْنَا مِنْ حيثُ العمومِ أَنَّ اللهَ لا يقضِي
للمُؤمِنِ من قضاءِ إلاَّ كَانَ خيرًا لَهُ، وأَنَّ النِّيَّةَ وإن كانتْ
متشَوِّقَةً إِلَى أَمْرٍ حُجِزَ عنْه المَرَضُ، فإِنَّ الخِيَرَةَ - إنْ شَاءَ
اللهُ - فِيمَا أَرَادَهُ اللهُ، واللهُ تَعَالَى يُخَيِّرُ لَكُمْ فِي جَمِيعِ
الأمورِ خِيَرةً تَحْصُلُ لَكُمْ رِضوانُ اللهِ فِي خيرٍ وعافيةٍ، وما تَشْتَكِي
من مُصِيبَةٍ فِي القَلْبِ والدِّينِ نسألُ اللهَ أن يَتَوَلاَّكُمْ بِحُسْنِ رعايَتِهِ
تولِّيًّا لا يَكِلْكُمْ فِيهِ إِلَى أَحَدٍ منَ المَخْلُوقِينَ، ويُصْلِحَ لَكم
شَأْنَكُمْ كُلَّهُ صلاحًا يَكُونُ بَدْؤُهُ مِنهُ وإِتْمَامِهِ عَلَيْه،
ويُحَقِّقَ لَكُمْ مَقَامَ: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] ،
ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ العزيزِ الحَكِيمِ، مَعْ أَنَّا نَرْجُو أن
تَكُونَ رؤيةُ التَّقْصِيرِ وشهادةُ التَّأَخِيرِ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى
عبدِهِ المُؤْمِنِ الَّتِي يَسْتَوْجِبُ بِهَا التَّقْدِيمُ ويتمُّ لَهُ بِهَا
النِّعْمَةُ، ويُكْفَى بها مُؤْنَةَ شَيْطانِهِ المُزَيِّنِ لَه سُوءَ عملِهِ،
ومُؤْنَةَ نفسِهِ الَّتِي تُحِبُّ أن تُحْمَدَ بمَا لَمْ تفعلْ وتَفرحَ بمَا
أَتَتْ، وقَدْ قَالَ سُبْحانَه: {إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ
رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٥٧ وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ٥٨﴾ [المؤمنون: 57- 58] إلَى قوله: {أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ﴾ [المؤمنون: 60] .
ورُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي
وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُ» ([1]).
وفِي الأَثَرِ أَظُنُّهُ عن عُمَرِ بنِ الخطابِ أو عَنِ ابْنِ مسعودٍ: مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ فهوَ كَافِرٌ، ومَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي الجَنَّةِ فهو فِي النَّارِ، وقَالَ: والَّذِي لاَ إِلَه غيْرُهُ مَا أَمِنَ أحدٌ عَلَى إيمانٍ يُسْلَبُهُ عندَ الموتِ إلاَّ يُسْلَبَهُ،
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3175)، وابن ماجه رقم (4198) وأحمد رقم (25263).