×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقَالَ أبو العاليةِ: أدركتُ ثلاثينَ من أصْحَابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كلُّهُمْ يخافُ النِّفَاقَ عَلَى نفسِهِ، وقَالَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه إِنَّ اللهَ ذَكَرَ أهلَ الجنَّةِ فذَكَّرَهُمْ بِأَحسنِ أعمالِهِمْ وغفَرَ لَهم سِيِّئَهَا، فيَقُولُ الرجلُ: أينَ أنا مِنْ هؤلاءِ؟ يَعنِي وهوَ مِنْهُم، وذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ بأقْبَحِ أعمالِهِم وأحبَطَ حَسَنَها فيَقُولُ القائلُ: لسْتَ مِنْ هؤلاءِ؟ يعنِي: وهو مِنْهُم، بهَذَا الكلام أو قريبًا منْهُ ([1]).

فِلْيَبْرُدِ القلبُ من وَهَجِ حرارةِ هَذِهِ الشَّهادَةِ، إِنَّها سبيلٌ مَهْيَعٌ لعبادِ اللهِ الَّذِينَ أطبقَ شهداءِ اللهِ فِي أرْضِهِ أَنَّهم كَانُوا مِنَ اللهِ بالمكانَةِ العَالِيَةِ، معَ أَنَّ الازْدِيَادِ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ هو النَّافِعُ فِي الأمْرِ الغَالِبِ ما لَمْ يُفْضِ إِلَى تَسَخُّطٍ للمَقْدُورِ أَو يَأْسٌ مِنْ رَوْحِ اللهِ أو فُتُورٍ عَنِ الرَّجَاءِ، واللهُ تَعَالَى يَتَوَلاَّكُمْ بِوِلاَيَةٍ مِنْهُ ولا يَكِلْكُمْ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ الشَّيْخُ يُبَيِّنُ القولَ الصَّوابَ فِي الحقيقةِ والمجازِ فقالَ: قَالَ لي بعضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَدْنَا أنْ نَسْلُكَ طَرِيقَ سبيلِ السَّلامَةِ والسُّكُوتِ، وهي الطَّريقةُ الَّتِي تَصْلحُ عَلَيْها السَّلامةُ قُلْنَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه آمَنْتُ باللهِ وبمَا جَاءَ عَنِ اللهِ عَلَى مُرَادِ اللهِ، وآمَنْتُ برَسولِ اللهِ وما جاءَ عن رَسولِ اللهِ عَلَى مرادِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وإِذَا سلَكْنَا سَبِيلَ البحْثِ والتَّحْقِيقِ فإِنَّ الحَقَّ مذْهَبُ من يَتَأَوَّلُ آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثَ الصِّفَاتِ من المُتَكَلِّمِينَ، فقُلْتُ له: أمَّا مَا قالَهُ الشَّافعيُّ فإِنَّه حقٌّ يجبُ عَلَى كُلِّ مسلمٍ أن يعتقدَهُ، ومنِ اعتقدَهُ ولم يَأْتِ بقولٍ يناقِضُهُ فإِنَّه سَالِكٌ سبيلَ السَّلامةِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وأَمَّا إِذَا بحثَ الإنسانُ وفحصَ وَجَدَ ما يَقُولُه المتكلِّمونَ منَ التَّأْوِيلِ الَّذِي يخالِفُونَ بِهِ أهْلَ الحَدِيثِ كُلَّهُ باطلاً، وتَيَقَّنَ أَنَّ الحَقَّ معَ أهْلِ الحَدِيثِ ظاهرًا وباطنًا.


الشرح

([1])أخرجه: سعيد بن منصور في «السنن» رقم (942).