×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

مُرادٍ، بمَعْنى: أنَّ صِفَاتِ المخْلُوقِينَ مُرادَةً، قلنا له: أصبْتَ فِي المَعْنى، لكِن أخْطَأْتَ فِي اللَّفْظِ وأوهَمْت البِدْعةَ، وجعَلْتَ للجَهْمِيَّةِ طَرِيقًا إلى غَرَضِهم، وكَانَ يمكِنُكَ أن تَقُولَ: تُمَرُّ كَمَا جاءَتْ عَلَى ظَاهرِهَا مع العلمِ بأنَّ صفَاتِ اللهِ ليسَتْ كصِفَاتِ المخْلُوقِينَ، وأَنَّه منزَّهٌ مقدَّسٌ عن كُلِّ ما يلزَمُ منه حُدُوثه أو نَقْصه، ومن قَالَ: الظَّاهِرُ غيرُ مرَادٍ بالتَّفْسيرِ الثَّانِي وهُوَ مُرادُ الجهْميَّةِ ومن تَبِعَهُم من المُعتزلَةِ وبعض الأشعرِيَّةِ وغيرِهِم؛ فقط أخْطَأَ، ثُمَّ أقرَبَ هَؤُلاَءِ الجهمِيَّةُ الأشعَرِيَّةُ يَقُولون: إنَّ له صفَاتٌ سبعًا: الحياةُ والعِلمُ والقُدرَةُ والإرَادَةُ والكَلامُ والسَّمعُ والبَصرُ وينفُون ما عدَاهَا، ومنهم من يضُمُّ إِلَى ذَلِكَ اليَدَ فقط، ومنهم من يتوَقَّفُ فِي نَفْيِ ما سِوَاها وغُلاَتُهُم يقْطَعُونَ بنَفْيِ ما سِوَاها، وأَمَّا المعتَزِلَةُ فإِنَّما ينْفُونَ الصِّفاتِ مُطْلَقًا ويُثْبِتُونَ أحْكَامَها، وهي تَرجِعُ عندَ أكثِرِهِم إِلَى أَنَّه عَليمٌ قَديرٌ، وأَمَّا كَونُه مُرِيدًا متكلِّمًا فعندَهُم أَنَّها صفَاتٌ حَادثَةٌ أو إضَافِيَّةٌ أو عَدمِيَّةٌ وَهُمْ أقرَبُ النَّاسِ إلى الصَّابئِينَ الفَلاسفَةِ من الرُّومِ ومَن سَلكَ سَبِيلَهُم من العَرَبِ والفُرسِ.

ومن رزَقَهُ اللهُ معرفَةَ ما جَاءَتْ به الرُّسلُ وبَصرًا نافذًا وعرفَ حقِيقَةَ مَأْخذِ هَؤُلاَءِ «يعني: الجَهمِيَّةَ والمعتزلَةَ ومن تَبِعَهُم فِي نَفْيِ الصِّفاتِ أو تَأْوِيلها» علِمَ قَطْعًا أَنَّهم يُلحِدُونَ فِي أسمَائِه وآيَاتِه، وأَنَّهم كذَّبُوا بالرُّسُلِ وبالكِتَابِ وبمَا أرسَلَ به رُسُلَه، ولهَذَا كَانُوا يَقُولون: إِنَّ البدعَ مُشتقَّةٌ من الكُفرِ وآيلةٌ إليه، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: المرادُ الأشعرِيَّة الَّذِينَ اتَّبعُوا المعتزِلَةَ والجهمِيَّةَ، وأَمَّا من قَالَ منهُم بكِتَابِ «الإبانة» الَّذِي صنَّفَهُ الأشعريُّ فِي آخرِ عمرِهِ ولم يَظْهَرْ مقَالَةٌ تناقِضُ ذَلِكَ فهَذَا يُعَدُّ من أهْلِ السُّنَّةِ، لكن مجَرَّد الانتِسَاب إِلَى الأشعريِّ بِدعَةً، لا سِيَّمَا وأَنَّه بذَلِكَ


الشرح