×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

الوَاجِب الَّذِي يُذَمُّ تَارِكُهُ ويتعرَّضُ للعُقوبَةِ فقَدْ صدَقَ، و إن أرادَ أَنَّه نفْيُ الكَمالِ المُستَحَبِّ فهَذَا لَم يَقعْ قَطّ فِي كلامِ اللهِ ورسولِهِ ولا يجُوزُ أن يَقعَ؛ فإنَّ مَن فعَلَ الوَاجِبَ كَمَا وجَبَ عَلَيْه، ولم ينتقِصْ من واجِبِه شيئًا لَم يَجُزْ أنْ يُقَالَ: ما فعَلَه لا حَقِيقَةً ولا مجَازًا.

فإِذَا قَالَ للمُسِيءِ من صَلاَتِه: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ([1])، وقَالَ لمَن صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وقَدْ أمرَهُ بالإعَادَةِ: «لاَ صَلاَةَ لِفَذٍّ خَلْفَ الصَّفِّ» ([2])؛ كَانَ لتَرْكِ وَاجِبٍ، وكذَلِكَ قولُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ [الحجرات: 15] ، يبيِّنُ أَنَّ الجهادَ وَاجِبٌ وتَركَ الارتِيَابِ وَاجِبٌ، والجهادُ وإن كَانَ فَرضًا عَلَى الكِفَايةِ فجَمِيعُ المُؤمِنينَ يُخَاطَبُونَ بِه ابتِدَاءً فعَلَيْهم كُلّهم اعتِقَادَ وجُوبِه والعَزم عَلَى فِعْلِه إِذَا تعيَّنَ، ولهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ»، رواهُ مسلمٌ ([3])؛ فأخبرَ أَنَّه من لم يهم به كَانَ عَلَى شُعبةِ نفَاقٍ.

وأيضًا فالجهَادُ جنسٌ تحْتَهُ أنْواعٌ متعدِّدة، ولا بُدَّ أَنَّه يجِبُ عَلَى المؤْمِنِ نَوعٌ من أنْوَاعِه، وكذَلِكَ قولُهُ: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٢ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٤ [الأنفال: 2- 4] ، هَذَا كُلُّه واجِبٌ، فإِنَّ التَّوكُّلَ عَلَى اللهِ وَاجِبٌ من أعظَمِ الواجِبَاتِ، كَمَا أَنَّ الإخْلاصَ للهِ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (757)، ومسلم رقم (397).

([2])أخرجه: ابن ماجه رقم (1003)، وأحمد رقم (16297).

([3])أخرجه: مسلم رقم (1910).