×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

يُواصِلُ رحمه الله الحَدِيثَ في الرَّدِّ على الَّذِينَ يَسْتغِيثون بالرَّسولِ صلى الله عليه وسلم وبغيرِهِ من الأمْوَاتِ فيقول: كَانَ أصحَابُه يُبْتَلَونَ بأنْوَاعٍ من البلاءِ بعدَ مَوتِه، فتارَةً بالجَدْبِ وتارَةً بنقْصِ الرِّزْقِ، وتارَةً بالخوفِ وقوَّة العدوِّ، وتارَةً بالذُّنوبِ والمعَاصِي، ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِنْهُمْ يأْتي إلى قبْرِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ، ولا قبر الخَليلِ، ولا قبْرِ أحَدٍ من الأنبياءِ فيقولُ: نشْكُو إِلَيْكَ جَدْبَ الزَّمَانِ، أو قُوَّةَ العَدُوِّ، أو كثرةَ الذُّنوبِ، ولا يقول: سَلِ اللهَ لنا أو لأمَّتِكَ أن يرزقَهم أو ينصُرَهم أو يغْفِرَ لهم، بل هَذَا وما يُشْبِهُه من البدَعِ المُحدَثَةِ الَّتِي لَمْ يَسْتحبَّها أحَدٌ من المُسْلِمِينَ فلَيست واجِبةً ولا مستحبَّةً باتِّفَاقِ أئمَّةِ المُسْلِمِينَ، وكُلُّ عبادَةٍ لَيْسَت واجبةً ولا مستحبةً بدليلٍ من الشَّرْعِ فهي بدعةٌ باتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ، ومَن قال في بعضِ البدَعِ: إنَّها بدعةٌ حسنةُ؛ فإنَّمَا ذَلِكَ إِذَا قَامَ دليلٌ شرعيٌّ أنَّها مستحبَّة، فأمَّا ما لَيْسَ بمستحَبٍّ ولا واجبٍ فلا يقولُ أحَدٌ من المُسْلِمِينَ إنَّها من الحسناتِ الَّتِي يتقَرَّبُ بها إلى اللهِ، ومن تقرَّبَ إلى اللهِ بما لَيْسَ من الحسناتِ المأْمُورِ بها أمرَ إيجابٍ ولا استحبابٍ؛ فهو ضالٌّ متَّبِعٌ للشَّيطانِ؛ وسَبيلِه من سَبيلِ الشَّيطانِ، كما قالَ عبدُ الله بنُ مسعود: خَطَّ لنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خطًّا وخَطَّ خُطُوطًا عن يَمِينه وشمَاله، ثم قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ، وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ([1])، ثُمَّ قرأَ: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ [الأنعام: 153] .

فهَذَا أصلٌ جامِعٌ يجبُ عَلَى كُلِّ مَن آمن باللهِ ورسولِهِ أنْ يتَّبِعَه، ولا يخالفَ السُّنَّةَ المعلومةَ، وسبيلَ السَّابقين الأوَّلِينَ من المهاجِرِينَ


الشرح

([1])أخرجه: الدارمي رقم (208)، وأحمد رقم (4142)، والطيالسي رقم (241).