×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

ثُمَّ بَيَّنَ رحمه الله الفرقَ بَيْنَ أولياءِ الشَّيطانِ فيما يستَعْمِلُون به تِلْكَ الخوارِقَ فقَالَ: وأكَابِرُ الأولياءِ إِنَّمَا يستَعْمِلُون هَذِهِ الكَرامَاتِ بحُجَّةٍ للدِّينِ أو لحاجَةٍ للمُسْلِمينَ والمُقْتَصِدُون قد يَستَعْمِلُونَها في المَباحَاتِ، وأَمَّا منِ اسْتَعَانَ بها في المعاصي فهُو ظَالِمٌ لنَفْسِه متعَدٍّ حَدَّ رَبِّه وإن كَانَ سبَبُها الإيمان والتقوى؛ فمن جَاهَدَ العَدُوَّ فغَنِمَ غنيمةً فأنفقَهَا في طاعَةِ الشَّيطانِ فهَذَا المالُ وإن نالَهُ بسبَبِ عمَلٍ صَالِحٍ فإِذَا أنفقَهُ في طاعةِ الشَّيطانِ كَانَ وبالاً عَلَيْهِ؛ فكَيْفَ إِذَا كَانَ سببُ الخوارِقِ الكُفْر والفسوق والعصيان؟ وهى تَدْعُو إِلَى كُفْرٍ آخَر وفُسوقٍ وعصيان! ولِهَذَا كَانَ أئِمَّةُ هَؤُلاَءِ معترِفِينَ بأنَّ أكثرَهُم يمُوتُون عَلَى غيرِ الإسلاَمِ.

ثُمَّ ذكرَ رحمه الله من أعظَمِ المُشْرِكين ما يَرَوْنَه أو يسْمَعُونه عِنْدَ الأوثانِ كإخْبَارٍ عَنْ غَائبٍ أو أمرٍ يتضمَّن قضاءَ حاجةٍ، ونحو ذَلِكَ، فإِذَا شاهَدَ أحدُهُم القبْرَ انشقَّ، وخرج منه شيخٌ بَهيُّ عانقَه، أو كلَّمه؛ ظنَّ أنَّ ذَلِكَ هو النَّبِيُّ المقبورُ أو الشَّيخُ المقبورُ، والقبْرُ لَمْ ينشَقَّ وإِنَّمَا الشَّيطانُ مثَّلَ له ذَلِكَ كَمَا يمثِّلُ لأحَدِهم أنَّ الحائِطَ انشَقَّ، وخرجَ منه صورةُ إنسانٍ ويكونُ ذَلِكَ الشيطانُ تمثَّلَ له في صورةِ إنسانٍ، وأراه أنَّهُ خرجَ مِنَ الحائطِ، وَهَذَا ونحوه مِمَّا يبيِّن أنَّ الَّذِينَ يدْعونَ الأنبياءَ والصَّالحين بعدَ موتِهِم عِنْدَ قُبورهم وغيرِ قُبُورهم مِنَ المشركِينَ الَّذِينَ يدعون غَيرَ اللهِ، كالَّذِينَ يدعون الكواكِبَ والَّذِينَ اتَّخذُوا المَلائِكَةَ والنَّبيِّينَ أربَابًا، قالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٨٠ [آل عمران: 79- 80] ، وقال تَعَالَى:


الشرح