×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 لا يطلُبُ به مِنَ المَخْلُوقِ جزاءً ولا دعاءً ولا غيره؛ لا من نَبِيّ ولا رجُلٍ صَالِحٍ؛ فإِنَّ اللهَ أمرَ العِبَادَ كُلَّهُم أن يعبدُوه مخلصينَ له الدِّين، وَهَذَا هُوَ دِينُ الإسْلامِ الَّذِي بعثَ اللهُ به الأوَّلِينَ والآخِرِينَ مِنَ الرُّسلِ فلا يقْبلُ من أحَدٍ دِينًا غيرَهُ، قالَ تَعَالَى: {وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ [آل عمران: 85] ، ودينُ الإسْلامِ مبْنِيٌّ عَلَى أصْلَينِ: أنْ نَعْبُدَ اللهَ وحدَهُ لا شرِيكَ له، وأن نعبُدَه بما شَرَعَه مِنَ الدِّينِ وَهُوَ ما أمَرَتْ به الرُّسُلُ أمرَ إيجَابٍ أو أمْرَ استِحْبَابٍ؛ فيعبد في كُلّ زمانٍ بما أَمَرَ به في ذَلِكَ الزَّمانِ، فَلَمَّا كانتْ شَرِيعةُ التَّوراةِ مُحكَمةٌ صارَ العامِلُونَ بها مسْلِمينَ، وكَذَلِكَ شَريعَةُ الإنجِيلِ، وكَذَلِكَ في أوَّلِ الإسلامِ لمَّا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي إِلَى البيتِ المقدَّسِ كانت صَلاتُه إِلَيْهِ مِنَ الإسلامِ، ولمَّا أُمِرَ بالتَّوجُّهِ إِلَى الكعبَةِ كَانَتِ الصَّلاَةُ إليها مِنَ الإسلامِ والعدول عنها إِلَى الصَّخرةِ خُرُوجًا عن دينِ الإسلامِ.

فكُلُّ مَن لَمْ يعبُدِ اللهَ بعدَ مبعَثِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بما شرَعَهُ اللهُ له من واجبٍ ومستحَبٍّ فليسَ بمُسْلِمٍ، ولابُدَّ في جميعِ الواجباتِ والمستحباتِ أن تكُونَ خالِصَةً للهِ ربِّ العالمينَ، إِلَى أنْ قالَ رحمه الله : فكُلُّ ما يفْعَلُه المُسْلمُ مِنَ القُرَبِ الواجِبَةِ والمستحبَّةِ كالإيمَانِ باللهِ ورسُولِه، والعباداتِ البدَنيَّةِ والماليَّة ومحَبَّةِ اللهِ ورسولِهِ، والإحسانِ إِلَى عبَادِ اللهِ بالنَّفعِ والمَالِ، هُوَ مأْمُورٌ بأن يفعلَهُ خالصًا للهِ ربِّ العالمينَ، لا يطلبُ من مخلُوقٍ عَلَيْهِ جزاء لا دُعَاء ولا غير دُعَاء؛ فإِنَّ سؤالَ المخلوقين فيه ثلاثُ مفاسدٍ: مفسدَةُ الافتِقَارِ إِلَى غيرِ اللهِ وهي نوعٌ مِنَ الشِّرْكِ، ومفسدةُ إيذَاءِ المَسْئُولِ؛ وهي نوعٌ من ظُلمِ الخلقِ، ومفسدة الذُّلّ لغيرِ الله؛ وَهُوَ ظلمٌ للنَّفْسِ.


الشرح