×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقد روَى التِّرمذِيُّ وغيرُهُ عن عدِيِّ بن حَاتمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ»، قالَ التِّرمذيُّ: حدِيثٌ صَحيحٌ ([1])، وقَالَ سفيانُ بن عُيينَة: كَانُوا يَقُولُون: من فسَدَ من عُلَمائِنَا ففِيه شَبَهٌ مِنَ اليهودِ، ومن فَسَدَ من عُبَّادِنا ففِيه شَبَهٌ مِنَ النَّصارَى، وكَانَ غيرُ واحدٍ مِنَ السَّلفِ يقول: احذَرُوا زَلَّةَ العالمِ الفاجرِ، والعابِدِ الجاهِلِ، فإنَّ فتنَتَهُما فتنَةٌ لكُلِّ مفْتُونٍ.

فمن عرفَ الحقَّ ولَمْ يعملْ به أشْبَهَ اليَهُودَ الَّذِينَ قالَ اللهُ فيهم: {أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ [البقرة: 44] ، ومن عبدَ اللهَ بغيرِ علمٍ، بل بالغُلُوِّ والشِّركِ أشبه النَّصارَى الَّذِينَ قالَ اللهُ فيهم: {يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ [المائدة: 77] .

فالأَوَّلُ - يعني: الَّذِي أشبَهَ اليَهُودَ - مِنَ الغَاوينَ.

والثَّاني - يعني: الَّذِي أشْبَهَ النَّصارَى - مِنَ الضَّالِّينَ، فإِنَّ الغَيَّ اتِّبَاعُ الهَوَى، والضَّلال عدَم الهُدى؛ قالَ تَعَالَى: {وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ [الأعراف: 175] ، انتهى كَلامُ الشَّيخِ رحمه الله .

وبه يتبيَّنُ أنَّ تَركَ الهُدَى غيٌّ، والعملَ بغيرِ هدًى ضلالٌ، وأن العملَ عَلَى هدًى هُوَ الصَّلاحُ والصِّراطُ المُسْتقِيمُ، وأكْثَرُ النَّاسِ مِنَ الصِّنفَيْنِ


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2953)، والطيالسي في «مسنده» رقم (1135) والطبراني في «الكبير» رقم (236).