×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وعدْلِهِ كتبَ عَلَى نفسِه الرَّحمَةَ وحرَّمَ عَلَى نفسِهِ الظُّلمَ، كَمَا قالَ في الحدِيث الصَّحيحِ الإلهيِّ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا» ([1])، وقَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ [الأنعام: 54] ، وقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الروم: 47] ، وفي «الصَّحيحينِ» عن معاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي ما حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟»، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ» ([2]).

فعلَى هَذَا القولِ لأَنْبِيَائِه وعبادِه الصَّالِحِينَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ حقٌّ أوجَبَه عَلَى نفْسِه مع إِخْبَارِه، وعلى الثَّاني يستحِقُّونَ ما أخبر بوقُوعِه وإِن لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سببٌ يقْتَضِيهِ.

ولمَّا سَاقَ الشَّيخُ هَذِهِ الأقوالَ الثلاثةَ بَيْنَ الصَّوابِ منها، فقَالَ رحمه الله :

فمَن قالَ: لَيْسَ للمخلوقِ عَلَى الخالقِ حقّ يسألُ به، كَمَا رُوِيَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قالَ لداود: وأيّ حقٍّ لآبائِكَ عليّ؟ فهو صحيحٌ إنْ أرادَ أنَّهُ لَيْسَ للمخلوقِ عَلَيْهِ حقّ بالقياسِ والاعتبارِ عَلَى خلقِه، كَمَا يجبُ للمخلوقِ عَلَى المخلوقِ، وَهَذَا كَمَا يظنُّه جُهَّالُ العبادِ من أنَّ لهم عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ حقًّا بعبادَتِهِم، وذلك أنَّ النفوسَ الجاهلية تتخيَّلُ أنَّ الإنسانَ بعبادَتِه وعلمِهِ يصِيرُ له عَلَى اللهِ حقّ من جنسِ ما يصيرُ للمخلوقِ عَلَى المخلوقِ، كالَّذِينَ يخدِمُون مُلُوكَهم وملاكَهم فيجْلِبُون لهم منفعَةً


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2577).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2658)، ومسلم رقم (30).