والثاني: لا
يجِبُ وَهُوَ مذهبُ أبي حنيفة؛ لأنَّ من أصْلِه أنَّهُ لا يجِبُ مِنَ النذرِ إلاَّ
ما كَانَ واجبًا بالشَّرعِ، وإتيان هذين المَسْجدين لَيْسَ واجبًا بالشَّرعِ فلا
يجِبُ بالنَّذرِ عنده، إلى أنْ قالَ: وأَمَّا السَّفرُ إلى زيارَةِ قُبورِ
الأنبياءِ والصَّالِحِينَ فلا يَجِبُ بالنَّذرِ عِنْدَ أحَدٍ مِنْهُمْ؛ لأَنَّهُ
لَيْسَ بطاعَةٍ فكَيْفَ يكونُ من فعل هَذَا كوَاحِدٍ من أصْحَابِه، وَهَذَا مالِكٌ
كَرِهَ أن يقولَ الرَّجلُ: زُرتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
واسْتَعظَمَه، والصَّحِيحُ في تَوجِيه قولِ مَالِكٍ هَذَا؛ لأنَّ لفظَ زيارةِ
القَبْرِ مُجمَلٌ يدخُلُ فيها الزِّيارَةُ البِدعِيَّة الَّتِي هي من جِنْسِ
الشِّرْكِ؛ فإنَّ زيارةَ قبورِ الأنبياءِ وسائر المُؤْمِنينَ عَلَى وجْهَينِ:
زيارة شرْعِيَّة، وزِيَارة بدْعيَّة.
فالزَّيارَةُ
الشَّرعيَّةُ: يُقْصَدُ بها السَّلام
عَلَيْهِم والدُّعاء لهم، كَمَا يقصدُ بالصَّلاةِ عَلَى أحدِهِم إِذَا مَاتَ
فيصَلَّى عَلَيْهِ صلاة الجنازَة.
والزِّيارةُ
البِدْعيَّة: هي زِيَارةُ المشرِكِينَ وأهل
البِدَعِ، وهي الَّتِي تكون لدُعاءِ المَوتَى وطلب الحَاجات مِنْهُمْ، أو
الدُّعَاء عندها واعتقاد أنَّ ذَلِكَ أفضَلُ مِنَ الدُّعَاءِ في المسَاجِدِ والبيوتِ.
فإِذَا كَانَ لفظُ الزِّيارَةِ مُجْمَلاً يَحتمِلُ حقًّا وباطِلاً عدَلَ عنه إِلَى لفْظِ السَّلامِ لأَنَّهُ لا لبْسَ فيه، ولَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أن يحتجَّ بما رُوِيَ في زيارةِ قبْرِه أو زِيارَتِه بعد مَوتِه؛ فإنَّ هَذِهِ كلَّها أحَادِيثُ ضعيفةٌ بل موضوعةٌ لا يُحتَجُّ بشيءٍ منها في أحْكَامِ الشَّريعةِ، والثابتُ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» ([1])، هَذَا هُوَ الثابتُ في الصَّحِيحِ، ولكن بعضُهُم رَوَاهُ بالمَعْنى فقَالَ: «قَبْرِي»، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم حِينَ قالَ هَذَا القَولَ لَمْ يَكُنْ قد قُبِرَ بَعدُ - صلوات الله وسلامه عَلَيْهِ - ،
([1])أخرجه: البخاري رقم (1195)، ومسلم رقم (1390).
الصفحة 8 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد