×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 الصِّحاحِ والسُّنُن شيئًا منها، وإِنَّمَا يَروِيهَا من يَرْوِي الضّعافَ كالدَّارقُطْنِيّ والبزَّار وغيرهما، وأجْوَدُ حديثٍ فيها ما رَوَاهُ عبدُ اللهِ بن عمرَ العمري وَهُوَ ضعيفٌ، والكذب ظاهرٌ عَلَيْهِ، مثل قولِه: «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي، فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ([1])؛ فإنَّ هَذَا كذِبُه ظَاهِرٌ مخالِفٌ لدِينِ المُسْلِمِينَ؛ فإنَّ من زَارَه في حياتِهِ وكَانَ مُؤْمنًا به كَانَ من أصحَابِه لا سيّما إِذَا كَانَ مِنَ المهاجِرِين إِلَيْهِ المُجَاهِدين معه، وقد ثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ» ([2])، والواحِدُ بعد الصَّحابَةِ لا يكونُ مثل الصَّحابَةِ بأعمالٍ مَأْمُور بها واجبة كالحَجِّ والجِهَادِ والصَّلواتِ الخَمسِ والصلاة عَلَيْهِ؛ فكَيْفَ بعمَلٍ لَيْسَ بواجِبٍ باتِّفاقِ المُسْلِمِينَ؟ بل ولا شُرِع السَّفرُ إِلَيْهِ بل هُوَ منهيّ عنه؟ وأَمَّا السَّفرُ إِلَى مسجِدِه للصَّلاةِ فيه، والسَّفرُ إِلَى المَسجدِ الأَقْصى للصَّلاةِ فيه فهو مستحَبٌّ، والسفرُ إِلَى الكعبَةِ للحَجِّ فواجبٌ، فلو سافَرَ أحَدٌ السَّفرَ الواجِبَ والمستحبّ، لَمْ يَكُنْ مثل واحد مِنَ الصَّحابةِ الَّذِينَ سافَرُوا إِلَيْهِ في حيَاتِه، فكَيْفَ بالسَّفرِ المنهيِّ عنه، وقَدِ اتَّفقَ الأئِمَّةُ عَلَى أنَّهُ لو نذَر أنْ يُسافِرَ إِلَى قَبْرِهِ صلوات الله وسلامه عَلَيْهِ، أو قَبْرِ غَيرِه مِنَ الأنبِيَاءِ والصَّالِحِينَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أنْ يُوفِّي بنَذْرِه، بل ينْهَى عن ذَلِكَ.

ولو نذَرَ السَّفرَ إِلَى مسْجِدِه أو المَسْجِد الأقْصَى للصَّلاةِ فيه ففيه قولاَنِ للشَّافعيِّ، أظهرهما عنه يجِبُ ذَلِكَ، وَهُوَ مذهَبُ مالكٍ وأحمدَ.


الشرح

([1])أخرجه: الدارقطني رقم (2694)، والبيهقي في ««الشعب» رقم (3855).

([2])أخرجه: البخاري رقم (3673) ومسلم رقم (2541).