×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 كَرِهَ مالكٌ إطالَةَ القِيامِ لذلك وكَرِهَ أن يفْعَلَه أهْلُ المدينَةِ كُلَّمَا دخَلُوا المَسْجدَ وخرَجُوا منه، وإِنَّمَا يفعلُ ذَلِكَ الغُرباءُ ومن قَدِمَ من سفَرٍ أو خرَجَ له فإِنَّهُ تحيّة للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأمَّا إِذَا قصدَ الرَّجُلُ الدُّعَاءَ لنفْسِه فإنَّمَا يدْعُو في مسجِدِه مستَقْبِل القِبْلَةِ كَمَا ذكَرُوا ذَلِكَ عن أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولَمْ يُنْقَلْ عن أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ أنَّهُ فعلَ ذَلِكَ عِنْدَ القبْرِ، بل ولا أطالَ الوقُوفَ عِنْدَ القبْرِ للدُّعاءِ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فكَيْفَ بدُعائِه لنَفْسِه؟

وأَمَّا دعاءُ الرَّسُولِ وطلبِ الحوَائِجِ منه وطلب شَفَاعتِه عِنْدَ قبْرِه أو بعْدَ مَوْتِه «يعني: ولو لَمْ يَكُنْ عِنْدَ قَبْرِه» فهَذَا لَمْ يفعلْه أحَدٌ مِنَ السَّلفِ، ومعلُومٌ أنَّهُ لو كَانَ قَصْدُ الدُّعَاءِ عِنْدَ القَبْرِ مَشْرُوعًا لفعله الصَّحابةُ والتابعون، وكَذَلِكَ السُّؤالُ به «يعني: التَّوسُّل به في الدُّعَاءِ بعد مَوتِهِ لَمْ يفعلْهُ الصَّحابَةُ والتَّابعون»، فكَيْفَ بدُعَائه وسُؤَاله بعد مَوتِه؟

قالَ رحمه الله : لَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ يستقْبِلُ القَبْرَ للدُّعاءِ لنَفْسِه فضْلاً عن أن يستَقْبِلَه ويسْتَشْفعَ به يقول له: يا رَسُولَ اللهِ اشْفَعْ لي، ادْعُ لي، أو يَشْتَكِي إِلَيْهِ مصَائِب الدُّنْيَا والدِّين أو يَطْلُبُ منه أو من غَيرِه مِنَ المَوتَى مِنَ الأنبياءِ والصَّالحينَ أو مِنَ المَلائِكَة الَّذِينَ لا يرَاهُم أن يَشْفَعُوا له أو يَشْتَكِي إليهم المَصَائِبَ، فإنَّ هَذَا كُلَّه من فِعْلِ النَّصارَى وغيرِهم مِنَ المشرِكينَ ومن ضَاهاهم من مبتدعةِ هَذِهِ الأُمَّةِ، لَيْسَ هَذَا من فعل السَّابقِينَ الأَوَّلينَ مِنَ المهاجِرِينَ والأنصَار والَّذِينَ اتَّبعُوهم بإِحْسَانٍ، ولا مِمَّا أمر به أحَدٌ من أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وإن كَانُوا يسلِّمُون عَلَيْهِ.

وقَالَ رحمه الله عَنِ الأحاديثِ الَّتِي جاءَتْ بخُصُوصِ زيارَةِ قبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلّها ضعيفَةٍ لا يُعتَمَدُ عَلَى شَيءٍ منها في الدِّينِ، ولِهَذَا لَمْ يَروِ أهْلُ


الشرح