×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 باللهِ، والمستغيثُ بالمخلوقَاتِ قد يَقْضِي الشَّيطانُ حَاجَتَه أو بَعضَها وقَدْ يتمثَّلُ لَهُ في صُورَةِ الَّذِي استغَاثَ به، فيظنّ أن ذَلِكَ كرامَةً لمَنِ استغَاثَ به، وإِنَّمَا هُوَ شيطانٌ دخلَهُ وأغْوَاهُ لما أشْرَكَ باللهِ، كَمَا يتكَلَّمُ الشَّيطانُ في الأصنَامِ وفي المَصْرُوعِ وغير ذَلِكَ، ومثل هَذَا وقعَ كثيرًا في زمانِنَا وغيره وأَعْرَفُ من ذَلِكَ ما يطُولُ وصفه، وَهَذَا أصلُ عبادَةِ الأصْنَامِ واتِّخَاذ الشُّركاءِ مع اللهِ تَعَالَى، وأعظمُ من ذَلِكَ أن يقولَ: اغْفِرْ لي وَتُبْ علَيَّ كَمَا يفعلُه طائفةٌ مِنَ الجُهَّالِ المشركين، وأعظمُ من ذَلِكَ أن يَسْجدَ لغَيْرِه، ويُصَلّي إِلَيْهِ، ويرَى الصَّلاَةَ إِلَيْهِ أفضلُ من استِقْبَالِ القِبْلَةِ، حَتَّى يقولَ بعضُهُم: هَذِهِ قِبْلَةُ الخَواصّ والكعبة قبْلَةُ العَوام، وأعظمُ من ذَلِكَ أن يَرَى السَّفرَ إِلَيْهِ من جِنْسِ الحَجِّ، حَتَّى يقولَ: إن السَّفرَ إِلَيْهِ مرات يعْدِلُ حجّة، وغُلاَتُهم يقولون: الزِّيارَةُ إِلَيْهِ أفضَلُ من حَجِّ البيتِ عِدَّة مرَّاتٍ، ونحو ذَلِكَ، فهَذَا شركٌ بهم، وإن كَانَ يقعُ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ في بعْضِه.

الثَّانيةُ: أن يُقالَ للمَيِّتِ أو الغَائِبِ مِنَ الأنبياءِ والصالحين: ادْعُ اللهَ لي، أو ادْعُ لنَا رَبّك، أو اسألِ اللهَ لنا، كَمَا يقول النَّصَارى لمَرْيَمَ وغيرِها؛ فهَذَا أيضًا لا يَسْتَرِيبُ عالمٌ أنَّهُ غيرُ جائِزٍ، وأنَّهُ مِنَ البَدعِ الَّتِي لَمْ يفعَلْها أحَدٌ من سَلَفِ الأُمَّةِ، وإن كَانَ السَّلامُ عَلَى أهلِ القُبورِ جائِزًا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يعلِّمُ أصحابَهُ إِذَا زَارُوا القُبورَ أن يقُولَ قائِلُهم: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، يَغْفِرُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» ([1])،


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (974). ولفظ « تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» أخرجه: ابن ماجه رقم (1546).