×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 نُوحٌ عليه السلام ، ومعلومٌ أنَّ الحجرَ لا يضلّ كثيرًا مِنَ النَّاس إلاَّ بسببٍ اقتضى ضَلالهم، ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ من عُبَّادِ الأصنامِ يعتقدُ أنَّها خَلقَتِ السَّمواتِ والأرضَ، بل إِنَّمَا كَانُوا يتخذُونها شفعاءَ ووسائطَ لأسبابٍ: مِنْهُمْ من صوَّرها عَلَى صورِ الأنبياءِ والصَّالحين، ومنهم من جعلها تمَاثِيل وطَلاسِمَ الكواكب والشمس والقمر، ومنهم من جعَلَها لأجلِ الجِنِّ، ومنهم من جعَلَها لأجلِ الملائكةِ، فالمعبودُ لهم في قصدِهم إِنَّمَا هُوَ الملائكةُ والأنبياءُ والصَّالِحُون أو الشَّمس أو القمر وهم في نفسِ الأمرِ يعبدُونَ الشَّياطين، فهي الَّتِي تقْصِدُ مِنَ الإنسِ أن يعبدوها، وتُظْهِرُ لهم ما يدْعُوهم إِلَى عبادَتِها، كَمَا قالَ تَعَالَى: {وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ يَقُولُ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَهَٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٤٠ قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ ٤١ [سبأ: 40- 41] ، وإِذَا كَانَ العابدُ ممَّن لا يستحلّ عبادة الشَّياطين أوهَمُوه أنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُو الأنبياءَ والصالحينَ والملائكةَ وغيرَهم ممَّن يُحْسِنُ العابدُ ظنَّهُ به.

وأَمَّا إن كَانَ ممَّن لا يحرِّمُ عبادةَ الجِنِّ عرَّفُوه أنَّهُم الجنّ، وقَدْ يطلب الشَّيطانُ المتمثِّلُ لَهُ في صورةِ الإنسانِ أن يسجدَ لَهُ أو أن يفعلَ به الفاحِشَةَ، أو أن يأكلَ الميتَةَ، ويشربَ الخمرَ، أو أن يقرِّبَ لهم المَيتةَ، وأكثرهم لا يعرفون ذَلِكَ، بل يظنُّون أنَّ من خاطَبَهم إِمَّا ملائِكَةٌ، وإمَّا رجالٌ مِنَ الجنِّ يسمُّونهم: رجالُ الغَيبِ، ويظنُّون أنَّ رجالَ الغيبِ أولياءَ اللهِ غائبون عَنْ أبصارِ النَّاس، وأولئك جنّ تمثَّلتْ بصُورِ الإنسِ، أو رؤيت في غيرِ صُورِ الإنسِ، وقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا [الجن: 6] ، وكَانَ أحدُهُم إِذَا نزلَ بوادٍ يخافُ أهلَهُ قالَ: أعوذُ بعظيمِ هَذَا الوادي من سُفَهائِه، وكانتِ الإنسُ


الشرح