×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 وتُخَاطِبُهم بأشْيَاءَ عَلَى سَبِيلِ المُكَاشفَةِ، كَمَا تُخَاطِبُ الشَّياطين الكُهَّان، وبَعْضُ ذَلِكَ صِدْقٌ، لَكِن لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ في ذَلِكَ ما هُوَ كَذبٌ، بل الكَذِبُ أغْلَبُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّدْقِ، وقَدْ تقضي الشَّياطِينُ بَعْضَ حَاجَاتِهم وتَدْفع عنهم بَعْضَ ما يكرهونه فيظنُّ أحدُهم أنَّ الشَّيخَ هُوَ الَّذِي جاء بالغيبِ حَتَّى فعلَ ذَلِكَ، أو يظنّ أنَّ اللهَ تَعَالَى صوَّرَ ملكًا عَلَى صُورَتِه فعل ذَلِكَ، ويقول أحدُهُم: هَذَا سِرُّ الشَّيخِ وحاله، وإِنَّمَا هُوَ الشَّيطانُ تمثَّلَ عَلَى صُورَتِه ليُضِلَّ المُشْركَ به المُستغيث به، كَمَا تدْخُلُ الشَّياطينُ في الأصْنامِ وتُكَلِّمُ عَابِدِيها وتَقْضِي بَعْضَ حَوائِجِهم، كَمَا كَانَ ذَلِكَ في أصْنَامِ مُشْرِكي العرَبِ وَهُوَ اليومُ موجودٌ في المشركينَ مِنَ التُّركِ والهِندِ وغيرهم.

وكَذَلِكَ المستغيثون مِنَ النَّصَارَى بشيوخِهم الَّذِينَ يسمُّونهم العلامِسَ، يرون أيضًا من يأتي عَلَى صُورة ذَلِكَ الشَّيخِ النَّصراني الَّذِي استغاثوا به، فيقضي بَعْض حوائجِهم، وهَؤُلاَءِ الَّذِينَ يستغيثون بالأمواتِ مِنَ الأنبياءِ، والصالحينَ، والشيوخِ، وأهلِ بيتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غايةَ أحدِهم أن يجريَ لَهُ بَعْضَ هَذِهِ الأمورِ، أو يحكى لهم بَعْض هَذِهِ الأمورِ فيظنُّ أنَّ ذَلِكَ كرامةٌ وخرقُ عادةٍ بسبب هَذَا العمل، ومن هَؤُلاَءِ من يأتي إِلَى قبرِ الشَّيخِ الَّذِي يشركُ به ويستغيثُ به، فينزلُ عَلَيْهِ مِنَ الهواءِ طعامٌ أو نفقةٌ أو سلاحٌ، أو غير ذَلِكَ مِمَّا يطْلُبُه فيظنّ ذَلِكَ كرامةً لشيخِه، وإِنَّمَا ذَلِكَ كلُّه مِنَ الشياطين، وَهَذَا من أعظمِ الأسبابِ الَّتِي عُبِدَتْ بها الأوثانُ.

وقَدْ قالَ الخليلُ عليه السلام : {وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ ٣٥ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣٦ [إبراهيم: 35- 36] ، وكما قالَ


الشرح