×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

قالَ تِلمِيذُه الإمامُ ابنُ القَيِّم رحمه الله : لمَّا كَانَتِ الأسماءُ قوالبَ للمعَانِي، ودَالّةً عَلَيْهَا اقتضَتْ الحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ بينَها وبيْنَها ارْتِبَاطٌ وتنَاسُبٌ وأن لا يَكُونَ المعْنَى معها بمنزلةِ الأجْنبيِّ المحضِ الَّذِي لا تعلّق لَهُ بها، فإنَّ حِكْمَةَ الحكِيمِ تأْبَى ذَلِكَ والواقعُ يشهدُ بخِلاَفِه، بل للأسمَاءِ تَأثِيرَاتٌ في المسمَّياتِ، وللمُسمَّياتِ تأثيرٌ عَنْ أسمائِهَا في الحُسنِ والقُبحِ، والخِفَّة والثِّقَلِ، واللَّطافَةِ والكثَافةِ كَمَا قِيلَ:

وَقَلَّمَا أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَبٍ

 

إلاَّ وَمَعْنَاهُ إِنْ فَكَّرْتَ فِي لَقَبِهْ

وكَانَ صلى الله عليه وسلم يستحبّ الاسمُ الحسنُ، إِلَى أن قالَ: ولما كَانَ بَيْنَ الأسماءِ والمسمَّياتِ مِنَ الارتباطِ والتَّناسُبِ والقرابة ما بَيْنَ قوالبِ الأشياء وحقائقها، وما بَيْنَ الأرواحِ والأجسامِ عبَر العقْل من كُلٍّ منها إِلَى الآخرِ، كَمَا كَانَ إياسُ ابن معاوية وغيره يرَى الشَّخصَ فيقول: ينبَغِي أَنْ يَكُونَ اسمُه كَيت و كَيت؛ فلا يكادُ يُخْطِئُ، قالَ: ولمَّا كَانَ الاسمُ مقتضيًا لمُسمَّاه ومُؤَثِّرًا فِيهِ كَانَ أحبُّ الأسماء إِلَى اللهِ ما اقتضى أحبَّ الأوصافِ إِلَيْهِ، كعبدِ الله، وعبدِ الرَّحْمَن، وكَانَ إضافةُ العبودية إِلَى اسمِ الله واسم عبْدِ الرَّحْمَن أحبّ إِلَيْهِ من إضافتها إِلَى غيرهما كالقَاهرِ والقَادرِ، فعبدُ الرَّحْمَن أحبُّ إِلَيْهِ من عبدِ القادر، وعبدُ اللهِ أحبُّ إِلَيْهِ من عبدِ رَبِّه؛ هَذَا لأنَّ التعلُّقَ الَّذِي بَيْنَ العبدِ وبينَ اللهِ إِنَّمَا هُوَ العبوديةُ المحضةُ، والتعلُّقُ الَّذِي بَيْنَ اللهِ وبين العبدِ بالرَّحمةِ المحضَةِ، ولمَّا غلبت رَحْمَتُه غَضَبه وكَانَت الرَّحمَةُ أَحبَّ إِلَيْهِ مِنَ الغضبِ، كَانَ عبدُ الرَّحْمَنِ أحبّ إِلَيْهِ من عبدِ القاهرِ.


الشرح