×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 المشترَكَ في الأفعالِ بَيْنَ اللهِ وبيْنَ عبادِه، فما حسُنَ مِنَ اللهِ حسُنَ مِنَ العبدِ، وما قَبُحَ مِنَ العبدِ قَبُحَ مِنَ اللهِ، ولِهَذَا سمَّاهم النَّاسُ مشبِّهةَ الأفعالِ، ولا شكَّ أن هَؤُلاَءِ هُم المُتكلِّمة المَذْمُومون عِنْدَ السَّلَفِ لكثرَةِ بنائهم الدِّينَ عَلَى القِيَاسِ الفاسدِ الكلاميّ وردهم لما جاءَ به الكتابُ والسُّنَّةُ، وإِنَّمَا الغرضُ هنا أنَّ طريقةَ القرآنِ جاءَتْ في أصولِ الدِّينِ وفروعِه في الدَّلائلِ والمَسائلِ بأكمَلِ المناهِجِ.

ثُمَّ بَيَّنَ رحمه الله الفرقَ بَيْنَ الطَّريقةِ القرآنِيَّة والطَّريقَةِ الكلامِيَّة في الدَّعوةِ إِلَى اللهِ، وَهُوَ أنَّ الطريقةَ القرآنِيَّة البدَاءة بالأمرِ بعبادَةِ اللهِ {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ [البقرة: 21] ، والعبادة لا بُدَّ فيها من معرفةِ الرَّبِّ والإنابة إِلَيْهِ والتَّذلُّلِ لَهُ والافتقارِ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ المقصودُ، والطَّريقةُ الكلامية إِنَّمَا تفيدُ مجرَّد الإقرارِ والاعترافِ بوجودِه، وَهَذَا إِذَا حصلَ من غيرِ عبادَةٍ وإنابةٍ كَانَ وبالاً عَلَى صاحبِه وشقاءً لَهُ؛ كَمَا جاءَ في الحديثِ: «أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللهُ بِعِلْمِهِ» ([1])، كإبْليسَ اللَّعينِ فإِنَّهُ معترفٌ برَبِّه مُقِرٌّ بوجُودِه لَكِن لمَّا لَمْ يعبدْهُ كَانَ رأسَ الأشقياءِ، وكُلُّ من شَقِيَ فباتِّباعِه لَهُ، كَمَا قالَ: {لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِينَ [ص: 85] ، فلا بُدَّ أن يملأَ جهنَّمَ منه ومن أتباعِه مع أنَّهُ معترفٌ بالرَّبِّ مقِرٌّ بوجودِه، وإِنَّمَا استكبر عَنِ الطَّاعةِ والعبادةِ.

إِلَى أن قالَ: ففاتِحَةُ دعوةِ الرُّسُلِ الأمرُ بالعبادةِ، قالَ تَعَالَى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ [البقرة: 21] ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم : «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ


الشرح

([1])أخرجه: الطبراني في «الصغير» رقم (رقم 507)، والبيهقي في ««الشعب» رقم (1642).