×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 مفتقرًا إِلَى أن تحْمِلَه، والسَّمواتُ فوقَ الأرضِ وليسَت مفتقرةً إِلَى حملِ الأرضِ لها، فالعَلِيُّ الأعلى رَبُّ كُلّ شيءٍ وملِيكُه إِذَا كَانَ فوقَ جميعِ خلْقِه كَيْفَ يجِبُ أَنْ يَكُونَ مُحتاجًا إِلَى خلقِه أو عرشِه؟ أو كَيْفَ يستلزِمُ عُلُوُّه عَلَى خلقِه هَذَا الافتقار وَهُوَ لَيْسَ بمستلزمٍ في المخلوقات؟ وقَدْ عُلِمَ أنَّ ما ثَبَتَ للمخلوقِ مِنَ الغنَى عَنْ غيره فالخَالقُ سبحانه وتعالى أحقُّ به وأولى، وكَذَلِكَ قوله: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك: 16] ، من توَّهَمَ أنَّ مقتضى هَذِهِ الآية أَنْ يَكُونَ اللهُ في داخلِ السَّمواتِ فهو جاهلٌ ضالٌّ بالاتِّفاقِ.

إِلَى أن قالَ رحمه الله : ولمَّا كَانَ قَدِ استقرَّ في نفوسِ المخاطَبينَ أنَّ اللهَ هُوَ العليُّ الأعلى وأنَّهُ فوقَ كُلِّ شيءٍ كَانَ المفهومُ من قوله: إِنَّهُ في السَّمَاءِ أنَّهُ في العُلُوِّ، وأنَّهُ فوقَ كُلِّ شيءٍ؛ لأنَّ السَّمَاءَ يُرادُ به العُلوُّ، وكَذَلِكَ الجاريَةُ لمَّا قالَ لها: «أَيْنَ اللهُ؟» ([1])، قالت: في السَّمَاءِ المَبْنيةِ، كَانَ المرادُ أنَّهُ عَلَيْهَا كَمَا قالَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخۡلِ [طه: 71] ، وكما قالَ: {فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ [آل عمران: 137] ، وكما قالَ: {فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ [التوبة: 2] ، ويقال: فلانٌ في الجبَلِ وفي السَّطحِ، وإن كَانَ عَلَى أعْلَى شَيءٍ فِيهِ.

وبهذا الَّذِي ذكره الشَّيخ مِنَ البيان: أنَّ السَّمَاء يُرادُ بها معنيان: الأوَّلُ؛ ما عَلا وارتفَعَ، يقال لَهُ: سماءٌ؛ فيكون المرادُ عَلَى هَذَا أنَّ اللهَ في السَّمَاءِ، يعني: في العُلوِّ، ويرادُ بالسَّماءِ السَّموات المبنِيَّة ذات الأفلاكِ، فيكونُ المرادُ عَلَى هَذَا أنَّ اللهَ في السَّمَاءِ، يعني: فوقَ السَّمَاءِ، واللهُ تَعَالَى أعلمُ.

***


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (537).