×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وقَدْ قالَ مجاهدٌ: عرضْتُ المصحَفَ عَلَى ابنِ عبَّاسٍ من فاتِحَتِه إِلَى خاتِمَتِه أقفُه عِنْدَ كُلِّ آيةٍ، وأسألُهُ عَنْ تفسِيرِها.

قالَ الشَّيخُ: ولا مُنافَاةَ بَيْنَ القولينِ؛ فإنَّ لفظَ التَّأويلِ قد صارَ بتعدُّد الاصطلاحاتِ مُستعمًلاً في ثلاثةِ معَانٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ اصطِلاحُ كثيرٍ مِنَ المتأخِّرِينَ مِنَ المتكلِّمِينَ في الفِقْهِ وأُصُولِه أنَّ التَّأويلَ: هُوَ صرفُ اللَّفظِ عَنِ الاحتمالِ الرَّاجِحِ إِلَى الاحتمالِ المرجُوحِ لدَليلٍ يقْتَرِنُ به، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عناه أكثرُ من تكلَّم مِنَ المتأخِّرِينَ في تأويلِ نُصُوصِ الصِّفاتِ وترك تأويلها، وهل ذَلِكَ محمودٌ أو مذمُومٌ أو حقٌّ أو باطلٌ.

الثاني: أنَّ التَّأويلَ بمعنى التَّفسيرِ، وَهَذَا هُوَ الغالِبُ عَلَى اصطِلاَحِ المفسِّرينَ للقرآنِ كَمَا يقولُ ابنُ جريرٍ وأمثالُهُ مِنَ المصنِّفينَ في التفسيرِ: فمن قالَ مِنَ العُلَمَاء: إِنَّهُ يعلَمُ تأوِيلَ المتشابه فالمُرادُ به معرفة تفْسِيره.

الثَّالثُ: من معَانِي التأويلِ: هُوَ الحقيقةُ الَّتِي يؤُولُ إليها الكلامُ؛ كَمَا قالَ اللهُ تَعَالَى: {هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ [الأعراف: 53] ، فتأويلُ ما في القُرْآنِ من أخبارِ المعادِ هُوَ ما أخبرَ اللهُ به فِيهِ مِمَّا يَكُونُ مِنَ القيامةِ والحسابِ والجزاءِ والجنَّةِ والنَّارِ ونحو ذَلِكَ، كَمَا قالَ اللهُ تَعَالَى في قصَّةِ يُوسُفَ لمَّا سجدَ أبوَاهُ وإخوتُه قالَ: {يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ [يوسف: 100] ، فجعلَ عينَ ما وجدَ في الخارجِ هُوَ تأويلُ الرُّؤيَا.

إِلَى أنْ قالَ رحمه الله : إِذَا عرفتَ ذَلِكَ فتأويلُ ما أخبرَ اللهُ تَعَالَى به عَنْ نفسِه المقدَّسةِ المتَّصفةِ بما لها من حقائقِ الأسماءِ والصِّفاتِ هُوَ حقيقةُ نفسِه المقدَّسة، وتأويلُ ما أخبر اللهُ به تَعَالَى مِنَ الوعدِ والوعيدِ هُوَ نفسُ ما يَكُونُ مِنَ الوعدِ والوعيدِ.


الشرح