ومن هَذَا
البابِ الشَّبهُ الَّتِي يضلّ بها بَعْضُ النَّاسِ، وهي ما يشتبه فيها الحقُّ
بالباطلِ حَتَّى تشتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، ومن أُوتِيَ العلمَ بالفصلِ
بَيْنَ هَذَا وَهَذَا لَمْ يشتَبِهْ عَلَيْهِ الحقُّ بالباطلِ والقياس الفاسدِ،
إِنَّمَا هُوَ من بابِ الشُّبهاتِ؛ لأَنَّهُ تشبيه للشَّيءِ في بَعْضِ الأمورِ بما
لا يشبهه فِيهِ، إِلَى أن قالَ رحمه الله : ومن هدَاهُ اللهُ فرَّقَ بَيْنَ
الأمورِ وإن اشترَكَتْ في بَعْضِ الوُجُوهِ، وعُلِمَ ما بينَهُما مِنَ الجمعِ
والفرقِ والتَّشابُهِ والاختِلاَف، وهَؤُلاَءِ لا يضلون بالمُتشابِه مِنَ الكلامِ؛
لَأَنَّهُم يجمعون بينه وبين المُحكَمِ الفَارق الَّذِي يبيِّنُ ما بينهما مِنَ
الفصلِ والافتِرَاقِ، ثُمَّ ضربَ الشَّيخُ رحمه الله لذلك مثلاً بكلمَةٍ «نَحْنُ»
و«إنا»، يتكلَّم بهما الجمعُ ويتكلَّمُ بهما الوَاحِدُ العَظِيمُ، فإِذَا تمسَّكَ
النَّصرانِيُّ بقَوْلِهِ تَعَالى: {إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ﴾ [الحجر: 9] ، ونحوه، عَلَى تعدُّدِ الآلهةِ كَانَ
المحكَم كقَوْلِه تَعَالى: {وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ﴾ [البقرة: 163] ، ونحو ذَلِكَ مِمَّا لا يحتملُ
إلاَّ معنًى واحدًا يزيلُ ما هناك مِنَ الاشتباهِ، وكَانَ ما ذكرَهُ من صيغَةِ
الجمعِ مُبينًا لما يستحِقُّه مِنَ العظمَةِ والأسماءِ والصِّفاتِ وطاعة
المخلوقاتِ مِنَ الملائكَةِ وغيرِهم.
ثُمَّ بَيَّنَ
الشَّيخُ رحمه الله التأويلَ الَّذِي لا يعْلَمُه إلاَّ اللهُ، والتأويلُ الَّذِي
يعلَمُه العُلَمَاءُ؛ بأنَّ التأويلَ الَّذِي لا يعْلَمُه إلاَّ اللهُ هُوَ
الحقيقَةُ المُغيَّبةُ عنَّا، مثل: ما في الجَنَّةِ مِنَ الماءِ واللَّبنِ
والفواكِهِ، وما أعدَّهُ اللهُ لعبادِهِ الصَّالحِينَ مِمَّا لا عينٌ رأَتْ، ولا
أُذنٌ سَمِعتْ، ولا خطرَ عَلَى قلبِ بشرٍ، وكَذَلِكَ مدلولُ أسمائِهِ وصفاتِهِ
وَهُوَ حَقِيقَتُها الَّتِي لا يعلَمُها إلاَّ هُوَ، وأَمَّا التأويلُ الَّذِي
يعلَمُه العُلَمَاءُ فهو التَّفسيرُ وبيانُ المعنى المُرادِ، وَهُوَ التَّأويلُ
الَّذِي لا يُعابُ بل يُحْمَدُ.
***
الصفحة 4 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد