فالإسلامُ يتضمَّنُ الاستسلامَ للهِ وحدَهُ،
فمنِ استَسْلَمَ لَهُ ولغَيْرِه كَانَ مُشركًا، ومَن لَمْ يستَسْلِمْ لَهُ كَانَ
مُستَكْبِرًا عَنْ عبادَتِه، والمُشرِكُ به والمستكبر عَنْ عبادَتِه كافرٌ،
والاستسلامُ لَهُ وحدَهُ يتضمَّنُ عبادَته وحْدَه وطَاعته وحْدَهُ.
ثُمَّ بَيْنَ
الشَّيخُ رحمه الله وجْهَ كَونِ دِينِ الأنبياءِ واحدًا معَ اختِلاَفِ شَرائِعِهم
فقَالَ: فهَذَا دينُ الإسلامِ الَّذِي لا يَقبَلُ اللهُ غيرَهُ، وذَلِكَ إِنَّمَا
يَكُونُ بأنْ يُطَاعَ في كُلِّ وقْتٍ بفعِلِ ما أَمرَ به في ذَلِكَ الوقْتِ،
فإِذَا أمَرَ في أوَّلِ الأمْرِ باستقْبَالِ الصَّخرَةِ، ثُمَّ أمرَنا ثانيًا
باستقبالِ الكعْبَةِ كَانَ كُلّ مِنَ الفعْلَينِ حِينَ أمر به داخلاً في الإسْلامِ،
فالدِّينُ هُوَ الطاعَةُ والعبادَةُ لَهُ في الفِعلين، وإِنَّمَا تنوُّعُ بَعْضِ
صُورِ الفعل وَهُوَ وجْهُ المُصلِّي.
فكذلك الرُّسلُ
دِينُهُم واحِدٌ وإن تنوَّعَتِ الشِّرعَةُ والمِنهَاجُ، والوجْهُ والمَنسَكُ؛
فإِنَّ ذَلِكَ لا يمنعُ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ وَاحِدًا، كَمَا لَمْ يمنعُ ذَلِكَ
في شَريعَةِ الرَّسُولِ الواحِدِ، واللهُ تَعَالَى جعلَ من دِينِ الرُّسلِ أنَّ
أوَّلَهُم يُبَشِّرُ بآخِرِهم، ويُؤْمِنُ به، وآخِرُهُم يُصدِّقُ بأَوَّلِهم
ويُؤْمِنُ به، قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّۧنَ
لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ
لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ
وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ
وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ﴾ [آل
عمران: 81] ، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَبعثِ اللهُ نبِيًّا إلاَّ أخذَ
عَلَيْهِ المِيثاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ ليُؤْمِنَّنَ به، ولينصُرَنَّه،
وأمرَهُ أن يأْخُذَ الميثاقَ عَلَى أُمَّتِه لئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وهُم أحياءٌ
ليؤْمِنُنَّ به ولينصُرُنَّه.
وقَالَ تَعَالَى: {وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ