وليس المراد بالشرع مجرد العدل
بين الناس في معاملاتهم، بل الإِنسَان المنفرد لا بُدَّ له من فعل وترك، فإن
الإِنسَان هَمَّام وحارث كما قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم «أَصْدَقُ الأَْسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ»
([1])، وهو معنى قولهم: متحرك هل نافع له أو ضار، وهل يصلحه أو
يفسده؟ وهذا قد يعرف بعضَه الناسُ بفطرتهم كما يعرفون انتفاعهم بالأكل والشرب،
وكما يعرفون ما يعرفون من العلوم الضرورية بفطرتهم، وبعضهم يعرفونه بالاستدلال
الذي يهتدون به بعقولهم، وبعضهم لا يعرفونه إلاَّ بتصريف الرسل وبيانهم لهم
وهدايتهم لهم، وفي هذا المقام تكلم الناس في أن الأفعال هل يُعرف حَسنُها وقبيحُها
بالعقل، أم ليس لها حسن ولا قبيح يُعرف بالعقل؟ فإنهم اتفقوا على أن كون الفعل
يلائم الفاعل أو ينافره يُعلم بالعقل، وهو أن يكون الفعل سببًا لما يحبه الفاعل
ويَلْتَذ به وسببًا لما يَبْغَضه ويؤذيه، وهذا القَدْر يُعلم بالعقل تارة وبالشرع
أخرى وبهما جميعًا أخرى، لكنْ معرفةُ ذلك على وجه التفصيل ومعرفة الغاية التي تكون
عاقبةُ الأفعال من السعادة والشقاوة في الدار الآخرة لا تُعرف إلاَّ بالشرع، فما
أخبرت به الرسل من تفاصيل اليوم الآخر وأُمرت به من تفاصيل الشرائع لا يعلمه الناس
بعقولهم، كما أن ما أخبرت به الرسل من تفاصيل أسماء الله وصفاته لا يعلمه الناس
بعقولهم، وإن كانوا قد يعلمون بعقولهم جُمَل ذلك.
وهذا التفصيل الذي يحصل به الإِيمَان وجاء به الكتاب هو ما دل عليه قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ﴾ [الشورى: 52] ،
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4950)، وأحمد رقم (19032)، وأبو يعلى رقم (7169).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد