×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وَأمَّا أهلُ السُّنَّةِ وَالحديثِ فمَا يَعلَمُ أَحَدٌ مِن عُلَمَائِهِم ولا صَالحِ عَامَّتِهِم رَجَعَ قَطُّ عَن قولِهِ واعتِقَادِه، بل هُم أعظَمُ الناسِ صَبرًا عَلَى ذَلِك وَإِنِ امْتُحِنُوا بأَنْوَاعِ المِحَنِ وفُتِنوا بأنواعِ الفِتَنِ، وهذا حالُ الأنْبِيَاءِ وأتْبَاعِهِم مِنَ المُتَقَدِّمينَ كَأَهْلِ الأُخدُودِ ونَحْوِهِم وكَسَلَفِ هَذِه الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعينَ وغيرِهِم مِنَ الأَئِمَّةِ، حتَّى كان مالكٌ رحمه الله يقولُ: لا تغْبِطُوا أحدًا لم يُصِبْهُ في هذا الأَمرِ بَلاَءٌ، يَقُولُ: إِنَّ اللهَ لا بُدَّ أَنْ يَبْتَلِيَ المؤمِنَ فإنْ صَبَرَ رَفَعَ دَرَجَتَهُ كَمَا قَالَ تعالى: {الٓمٓ ١ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣ [العنكبوت: 1- 3] .

وإَنْ صبَرَ مِن أَهلِ الأهْوَاءِ على قَولِهِ فَذَاكَ مَا فيهِ مِنَ الحَقِّ، إِذْ لاَ بُدَّ مِن كُلِّ بِدْعَةٍ عَلَيهَا طَائِفَةٌ كَبيرَةٌ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي جاءَ بهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ويُوَافِقُ عليهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالحَديثِ ما يُوجِبُ قَبولُهَا، إِذِ البَاطِلُ المَحْضُ لا يُقْبَلُ بِحَالٍ.

وبالجُملَةِ فالثَّباتُ والاستِقْرَارُ في أهلِ الحَدِيثِ والسُّنَّةِ أضْعَافُ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا هُوَ عِندَ أهلِ الكَلامِ والفَلْسَفَةِ، بَلِ المُتَفَلسِفُ أعظَمُ اضْطِرَابًا وَحَيرَةً في أمرِهِ مِن المُتَكَلِّمِ، لأنَّ عِندَ المُتَكَلِّمِ منَ الحقِّ الذي تلقَّاهُ عنِ الأنْبِيَاءِ ما ليس عندَ المُتَفَلسفِ، ولِهَذا تَجدُ مثلَ أَبِي الحسينِ البَصرِيِّ وأمثَالِهِ أَثبتَ مِنْ مِثلِ ابنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ.

وأيضًا تجِدُ أهلَ الفَلسَفَةِ والكَلاَمِ أعظَمَ الناسِ افتِرَاقًا واخْتِلاَفًا مَع دعْوَى كلٍّ منهُم أنَّ الذي يَقُولُهُ حقٌّ مقطُوعٌ به قامَ عَلَيهِ البُرهَانُ، وأهْلُ السُّنَّةِ والحديثِ أعْظَمُ النَّاسِ اتِّفاقًا وائْتِلاَفًا، وكلُّ مَن كانَ مِنَ الطَّوائِفِ إِلَيهِم أقربَ كَانَ إلى الائتِلاَفِ والاتِّفَاقِ أقْرَبَ.

***


الشرح