«تَفْسيرِ
حَدِيثِ المِعرَاجِ» الذي ألَّفَهُ أبو عبدِ اللهِ الرَّازي الذَّي احْتَذَى به
حَذْوَ ابنِ سِينَا، وعينِ القُضاةِ الهَمَذَانِيِّ فإنه روَى حَدِيثَ المِعْرَاجِ
بِسِيَاقٍ طَويلٍ وأسماءَ عجيبةٍ وترتيبٍ لا يُوجَدُ في شَيءٍ مِن كُتُبِ
المُسلِمِينَ، لا فِي الأحاديثِ الصحيحةِ ولا الحَسنَةِ ولا الضَّعِيفَةِ
المرويَّةِ عِندَ أهلِ العِلمِ وإنَّما وضَعَهُ بعضُ السُّؤالِ والطُّرُقِيَّةِ أو
بعضُ شَيَاطِينِ الوُعَّاظِ أو بعضِ الزَّنَادقةِ، ثم إنه معَ الجَهْلِ بِحَديثِ
المِعْرَاجِ المَوجُودِ فِي كُتبِ الحَدِيثِ والتفسيرِ والسيرةِ وَعُدُولِهِ
عَمَّا يُوجَدُ في هذهِ الكُتُبِ إلى ما يَسْمَعُ مِن عالِم ولا يُوجَدُ فيه
أَثَارَةٌ مِن عِلمٍ؛ فَسَّرَهُ بِتَفْسيرِ الصَّابِئَةِ الضالَّةِ المُنَجِّمينَ،
وجَعَلَ مِعْراجَ الرسولِ تَرقِّيهِ بِفِكرِهِ إلى الأفلاَكِ، وأنَّ الأنْبِيَاءَ
الذينَ رَآهُم هُم الكَواكِبُ؛ فآدَمُ هو القَمَرُ، وإدريسُ هُو الشمسُ،
والأَنْهَارُ الأَربَعَةُ هِي العَنَاصِرُ الأربَعَةُ، وأنه عَرَفَ الوُجُودَ الوَاجِبَ
المُطْلَقَ، ثُمَّ إنَّهُ يُعَظِّم ذلك وَيَجْعَلُهُ مِنَ الأَسْرَارِ
وَالمَعَارِفِ الَّتِي يَجِبُ صَونُهَا عن أفهامِ المُؤْمِنينَ وَعُلَمائِهم،
حتَّى إنَّ طائِفَةً مِمَّن كَانُوا يُعَظِّمُونَه لمَّا رأَوا ذلك تَعَجَّبُوا،
وجعَلَ بعضَ المُتَعَصِّبينِ يَدفَعُ ذَلكَ حتَّى أَرَوْهُ النُّسخَةَ بِخَطِّ
بعضِ المشايخِ المَعرُوفِينَ الخَبِيرينَ بِحَالِه وقد كَتَبَها فِي ضِمنِ
كِتَابِه الَّذِي سمَّاه: «المَطَالِبَ العَالِيَةَ»، وجَمَعَ فيه عامَّةَ آراءِ
الفَلاسِفَةِ والمُتَكَلِّمينَ، انتهى كَلامُ الشيخِ رحمه الله .
وهَذَا هُو
الرَّازي الَّذي يُلَقَّبُ بالإمَامِ فَخرِ الدِّينِ الرَّازِي، هذه مَوَاقِفُه
المُشِينَةُ وبعضُ مُؤلَّفَاتِه المَشْبُوهَةُ، والَّذي أَوقَعَهُ في ذَلِكَ
إنَّما هُو الإِعْرَاضُ عنِ الأَخذِ بأدلَّةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،
وباعْتِبَارِهَا أَدِلَّةً لا تُفِيدُ اليَقِينَ عِنْدَهُ، وأخْذُهُ بِآرَاءِ
الفَلاسِفَةِ وَالمُتَكَلِّمِينَ، فَلا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ
العَلِيِّ العَظِيمِ، وهَذَا جَزَاءُ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
الصفحة 5 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد