وَذَلِكَ أَنَّ
الشَّيخَ أبا جَعْفَرٍ الهَمَدَانِيَّ حضَر مرَّةً والأستاذُ أبو المَعَالِي
يَذْكُرُ عَلَى المِنْبَرِ: كانَ اللهُ ولاَ عَرْشَ، ونَفَى الاستِوَاءَ على ما
عُرِفَ مِن قولِه، فقالَ الشيخُ أبُو جَعْفَرٍ: يا أُسْتَاذُ دَعْنَا مِن ذِكرِ
العَرْشِ، أخْبِرْنَا عن هذه الضَّرُورَةِ التي نَجِدُهَا في قُلُوبِنَا، ما قال
عارفٌ قَطُ: يا اللهُ، إلاَّ وجَدَ في قَلْبِه مَعنًى يَطْلُبُ العُلُوَّ، لا
يَلْتَفِتُ يَمْنَةً ولاَ يَسْرَةً، فكيفَ نَدْفعُ هذه الضرورةَ عن قلوبِنَا؟
فصرخَ أبو المَعَالِي ووَضَعَ يَدَهُ على رأسِه وقال: حَيَّرَنِي الهَمَدَانِيُّ،
أو كما قال ونَزَلَ، فهذا الشيخُ تَكَلَّم بِلِسانِ جميعِ بَنِي آدمَ فأخْبَر
أَنَّ العَرْشَ والعِلْمَ باستِوَاءِ اللهِ عليه إنما أُخِذَ مِن جِهَةِ الشَّرعِ
وَخَبرِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، بخِلافِ الإقرَارِ بِعُلُوِّ اللهِ على الخَلْقِ
مِن غَيرِ تَعيينِ عَرشٍ وَلاَ اسِتَواءٍ، فإنَّ هذا أمرٌ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ
نَجِدُه في قلوبِنَا نَحْنُ وجميعُ مَن يَدْعُو اللهَ تَعَالَى؛ فَكَيفَ نَدفعُ
هذه الضَّرُورَةَ عن قُلُوبِنَا؟ والجَارِيَةُالَّتي قال لَهَا النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم «أَيْنَ اللَّهُ؟»
قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا
فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ([1]) جَارِيَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ، أَرأيتَ مَنْ فَقَّهَهَا
وأخْبَرَهَا بِمَا ذَكَرتْهُ؟ وإنما أَخْبَرتْ عَن الفِطرةِ التي فَطَرَها اللهُ
عَلَيْهَا، وأقَرَّها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك وشهِدَ لهَا
بالإيمَانِ، فلْيَتَأَمَّلِ العاقِلُ ذَلكَ يَجِدُهُ هَادِيًا له على مَعرفَةِ
رَبِّهِ والإقرارِ به كَمَا يَنْبَغِي، لا ما أَحْدَثَهُ المُتَعَمِّقُونَ
والمُتَشَدِّقُونَ ممَّن سَوَّلَ لَهُم الشيطانُ وأَمْلَى لَهُم.
ومِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: أَنَّ الذَّينَ لَبَّسُوا الكَلامَ بالفَلْسَفَةِ مِن أَكَابِرِ المُتَكَلِّمينَ؛ تَجِدُهُم يَعُدُّون مِن الأسرارِ المَصُونَةِ والعُلُومِ المَخْزُونَةِ، ما إذا تَدَبَّرهُ مَن له أَدْنَى عَقْلٍ ودينٍ؛ وَجَدَ فيه مِنَ الجَهْلِ والضَلاَلِ ما لم يَكُنْ يَظُنُّ أنه يَقَعُ فيه هَؤُلاءِ، حتَّى يَكْذِبَ بِصُدورِ ذَلِكَ عَنهم؛ مثلُ
([1])أخرجه: مسلم رقم (537).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد