×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

الحَدِيثِ، ويَدَّعِي أَنَّ سَبِيلَهُ هُو الصَّوَابُ؛ وجدْتُ أَنَّهُم المُرَادُ بِهَذا المِثَالِ الذي ضربَهُ المَعْصُومُ الذي لا يَتَكَلَّمُ عَنِ الهَوى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى.

والعَجَبُ أَنَّ مِنْ هَؤلاءِ مَن يُصَرِّحُ بأنَّ عقلَهُ إذا عارَضَهُ الحَدِيثُ - لا سيَّما فِي أَخبارِ الصِّفَاتِ - حملَ الحديثَ على عقلِه، وصرَّحَ بتقديمِه على الحديثِ، وجعلَ عقلَهُ مِيزَانًا للحَدِيثِ، فلَيتَ شِعْرِي هل عقلُه هذا كان مُصَرَّحًا بِتَقديمِهِ على الشَّريعَةِ المُحَمَّديةِ فيَكُونُ من السبيلِ المأمورِ باتِّبَاعِه؟ أم هو عقلٌ مُبْتَدِعٌ ضالٌّ جاهلٌ حائرٌ خارجٌ عن السبيلِ؟ فلاَ حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ!.

ثمَّ بيَّن الشيخُ رحمه الله سبَبَ ضَلاَلِ الاتِّحَاديَّةِ وأنه كانَ بِسَبَبِ الإعرَاضِ عن الكِتَابِ والسنَّةِ والسيرِ على منهجِ المُتَكَلِّمينَ، فقال: وهؤلاءِ الاتَّحَاديَّةُ وأَمثَالُهم إنَّما أَتوا مِن قِلَّةِ العِلْمِ والإِيمانِ بِصِفَاتِ اللهِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بها عنِ المخلُوقاتِ، وقلَّةِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وطَريقةِ السَّلَفِ في ذلكَ، بل قد يَعْتَقِدون مِن التَّجُّهُمِ ما يُنافِي السُّنَّةَ تَلَقِّيًا لذلك عن مُتَفَلْسِفٍ أو مُتَكَلِّمٍ؛ فَيَكُونُ ذلك الاعتقادُ صادًّا لهم عن سبيلِ اللهِ كُلَّمَا أرادتْ قُلُوبُهم أَنْ تَتَقَرَّبَ إلى ربِّها، وتسلُكَ الصِّراطَ المُستَقِيمَ إليهِ وتَعْبُدَهُ كما فُطِرُوا عليه وكما بَلَّغَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن عُلُوِّه وعظمَتِه؛ صرفَتْهُم تِلكَ العَوَائِقُ المُضِلَّةُ عن ذلك، حتَّى تَجِدَ خَلْقًا من مُقَلِّدَةِ الجَهْمِيَّةِ يُوَافِقُهُم بِلِسَانِه وأمَّا قلبُه فعَلَى الفِطْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وأكثرُهُم لا يَفْهَمُونَ ما النَّفيُ الذي يَقُولُونَهُ بألسنَتِهم، بل يَجْعَلُونَهُ تَنْزِيهًا مُطلَقًا مُجْمَلاً.

ثم ذكَر الشيخُ الحِكَايةَ المَشْهُورَةَ التي وقَعَتْ لأبِي المَعَالِي الجُوَينيِّ وهُو يُقَرِّرُ نَفْيَ عُلوِّ اللهِ على خَلقِه عَلى تَلامِيذِه فاعتَرَض عليه أحدُ الحَاضِرينَ بأنَّ هذا يُنَافِي الفِطْرةَ.


الشرح