كَلاَمِ الفَلاَسِفَةِ
والمُتَكَّلِّمِينَ - والأَْمْرُ كَمَا وَجَدَه - لكنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنَ
المِيراثِ النبويِّ الَّذِي عِنْدَ خَاصَّةِ الأُمَّةِ مِنَ العُلُومِ
والأَْحْوَالِ ومَا وَصَلَ إليه السَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ العِلْمِ
وَالعِبَادَةِ، حتَّى نَالُوا مِنَ المُكَاشَفَاتِ العِلميَّةِ والمُعَامَلاتِ
العِبَادِيَّةِ ما لَمْ يَنَلْهُ أولئكَ، فَصَارَ يُعْتَقَدُ أنَّ تَفْصِيلَ تِلكَ
الجُملَةِ يَحْصُلُ بمُجَرَّدِ تِلكَ الطَّريقِ حيثُ لم يَكُنْ عِنَدَهُ طَرِيقٌ
غيرَها لانْسِدَادِ الطَّريقِةِ الخَاصَّةِ السنيَّةِ النَّبويَّةِ عنه بِمَا كانَ
عِندَه مِن قِلَّة العِلمِ بها ومِنَ الشُّبُهاتِ الَّتِي تَقَلَّدَها عنِ
المُتَفَلْسِفَةِ والمُتَكَلِّمينَ، حَتَّى حَالُوا بينَه وبَينَ هَذِه
الطَّريقةِ، طائِفةٌ مِمَّن يَرَى فَضِيلتَهُ ودِيانَتَهُ يَدفَعُونَ وُجودَ هذهِ
الكُتبِ عنه حتَّى كانَ الفَقِيهُ أبو مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ السَّلامِ فيما عَقِلَه
عنه يُنْكِرُ أن يَكُونَ «بِدايَةُ الهدايةِ» مِن تصنيفِه، ويَقُولُ: إنَّما هو
تَقَوُّلٌ عَلَيهِ، معَ أَنَّ هذِه الكُتُبَ مَقْبُولُها أضعَافُ مردُودِها،
والمَردُودُ منها أمورٌ مُجملَةٌ، وليس فيها عَقائِدُ ولا أصولُ الدينِ.
وَأَمَّا «المَضْنُونُ به عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ» فقد كَانَ طَائِفةٌ أُخْرَى مِن العُلمَاءِ يُكَذِّبونَ ثُبُوتَه عنه، وَأَمَّا أهلُ الخِبرةِ بِه وبِحَالِهِ فيعْلَمُونَ أنَّ هَذا كُلَّه كَلاَمُهُ لِعِلْمِهِم بِمَوَادِّ كَلامِهِ ومُشَابَهَةِ بَعْضِه بَعْضًا، لَكِنْ كَانَ هُو وأَمْثَالُه - كَمَا قَدَّمتُ - مُضْطَرِبينَ لا يَثْبُتُونَ على قولٍ ثَابتٍ؛ لأنَّ عِندهُم مِن الذَّكَاءِ والطَّلَبِ ما يَتَشَوَّفُون بِه إِلى طَرِيقةِ خَاصَّةِ الخَلْقِ، ولم يُقَدَّرْ لهم سُلُوكُ طريقِ خَاصَّةِ هذهِ الأُمَّةِ الَّذينَ وَرِثُوا عَنْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم العِلْمَ والإِيمَانَ وهُم أهلُ حقائقِ الإيمانِ والقُرآنِ وأهلِ الفهمِ لكتابِ اللهِ والفهمِ لحديثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولِهَذَا كانَ الشيخُ أبُو عَمرِو بنِ الصَّلاَحِ يَقُولُ فيما رأيتُهُ بخطِّهِ: أَبُو حَامِدٍ كَثُرَ القولُ فيهِ ومِنْهُ؛ فأمَّا هذهِ الكُتُبُ - يعني المُخَالِفةُ للحَقِّ - فلا يُلْتَفَتُ إليها، أما الرَّجُلُ فَيُسْكَتُ عنه