×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

ويُفَوَّضُ أمرُهُ إلى اللهِ، انْتَهَى كَلاَمُ ابنِ الصَّلاَحِ في الغَزَالِيِّ.

وَيَقُولُ الشيخُ مُعَلِّقًا عَلَى ذَلِكَ: وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ لا يُذْكَرُ بِسُوءٍ لأنَّ عفوَ اللهِ عنِ الناسِي والمُخْطِئِ، وتَوبةَ المُذْنِبِ تَأْتِي على كُلِّ ذَنْبٍ وذلك مِن أقربِ الأشياءِ إلى هَذَا وأمثالِهِ، ولأنَّ مَغْفِرَةَ اللهِ بالحَسناتِ منه ومِنْ غَيْرِهِ وَتَكْفِيرَه الذُّنُوبَ بِالمَصَائِبِ تَأْتِي على مُحَقَّقِ الذُّنُوبِ، فلا يُقْدِمُ الإنْسَانُ على انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي حَقِّ مُعَيَّنٍ إلاَّ بِبَصِيرةٍ، لا سيَّما معَ كَثْرَةِ الإحْسَانِ والعِلْمِ الصَّحيحِ والعملِ الصَّالحِ والقصدِ الحَسَنِ، وهُو - أيِ الغَزَاليُّ - يَمِيلُ إلى الفَلْسَفَةِ، لكنَّهُ أظْهَرَها فِي قَالَبِ التصوُّفِ والعِبَارَاتِ الإسلامِيَّةِ، ولِهَذا فَقد ردَّ عليهِ عُلَمَاءُ المُسلمينَ، حتَّى أخصُّ أصحابِه أبو بَكرٍ العَرَبِيُّ فإنَّه قال: شيخُنَا أبو حَامدٍ دَخَل في بَطْنِ الفَلاسِفَةِ ثُمَّ أرادَ أن يَخْرُجَ مِنْهُم فَمَا قَدَرَ.

وقد حُكِي عنه مِن القَولِ بمِذَاهبِ الباطنيَّةِ ما يُوجَدُ تَصِديقُ ذلك فِي كُتُبِهِ، وردَّ عليه أبُو عبدِ اللهِ المَازِرِيِّ في كِتَابٍ أَفْرَدَهُ، وردَّ عليه أبو بَكْرٍ الطَّرْطُوشيُّ، وردَّ عليهِ أبو الحَسَنِ المرغينانِيُّ رَفِيقُه ردَّ عليه كَلامَهُ في «مِشْكَاةِ الأنَوارِ» ونحوِه، وردَّ عليه الشيخُ أبو البَيَانِ والشيخُ أبو عمرِو بنِ الصَّلاحِ، وحذَّرَ مِن كَلامِه في ذلك هُو وأَبُو زَكَريَّا النَّواوِيُّ وغيرُهُما، وردَّ عليهِ ابنُ عَقيلٍ وابنُ الجَوزيِّ وأبُو مُحمدٍ المقدِسِيُّ وغيرُهُم.

وهَذا بَابٌ واسِعٌ فإنَّ الخَارِجينَ عن طريقَةِ السابقِينَ الأوَّلِينَ مِنَ المُهَاجرينَ وَالأنْصَارِ والَّذينَ اتَّبَعُوهُم بإحسانٍ لَهُم فِي كَلاَمِ الرَّسُولِ ثَلاَثَ طُرُقٍ: طريقةُ التَّخييلِ وطَرِيقةُ التأويلِ وَطَرِيقةُ التَّجهيلِ.

فأهلُ التَّخْيِيلِ: هُمُ الفَلاسِفَةُ والبَاطِنيَّةُ الذينَ يَقُولونَ: إِنَّه خَيَّلَ أَشْيَاءَ لا حَقِيقَةَ لَهَا فِي البَاطِنِ، وَخَاصِيَّةُ النبوَّةِ عندَهُم التَّخْيِيلُ.


الشرح