×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وليسَ المقصُودُ ذِكرَ هذهِ الأمورِ وسببُ إصابتِها تَارةً وخَطَئها تارةً، وإنما الغَرضُ أنهُم يَتَعَمَّدُون فيها كَذِبًا كَثِيرًا مِن غَيرِ أن تَكُونَ قَد دلَّت على ذَلكَ دَلالةٌ، كما يَتَعَمَّدُ خَلقٌ كَثِيرٌ الكذبَ فِي الرُّؤيَا الَّتِي مِنها الرُّؤيَا الصَّالحةُ، وهِي جُزءٌ مِن سِتَّةٍ وأَرْبَعينَ جُزءًا مِنَ النبوَّةِ، وكَمَا كَانَتِ الجنِّ تَخْلِطُ بِالكَلِمَةِ تَسْمَعُها مِنَ السماءِ مائةَ كَذِبةٍ ثُم تُلْقِيها إِلَى الكُهَّانِ.

ولِهَذَا ثَبَتَ فِي «صحيحِ مُسلمٍ ([1])«عَنْ مُعَاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ قال: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالإِْسْلاَمِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: فَلاَ تَأْتِهِمْ، قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: فَلاَ يَصُدَّنَّكُمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الأَْنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» ([2]) فَإِذَا كَانَ مَا هُو جُزءٌ مِنْ أجزاءِ النُّبوَّةِ ومِنْ أَخبارِ المَلائِكَةِ ما قد يُتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبُ الكثيرُ؛ فكيفَ بِمَا هُو فِي نفسِهِ مُضْطَّرِبٌ لا يَستقِرُّ على أصلٍ؟

فلِهَذَا تَجِدُ عامَّةَ مَن فِي دِينهِ فَسادٌ يَدخُلُ فِي الأكاذيبِ الكَونِيَّةِ مثلُ أهلِ الاتِّحَادِ؛ فإنَّ ابنَ عَرَبِيٍّ فِي كِتَابِ: «عنقاء مغرب» وغيرُه أخبَرَ بمُستَقْبلاتٍ كَثِيرةٍ عَامَّتُها كَذِبٌ، وكَذِلكَ ابنُ سَبعينَ، وَكَذلكَ الَّذِينَ اسْتَخْرَجُوا مُدَّةَ بَقَاءِ هَذِهِ الأمَّةِ مِن حِسابِ الجُمَلِ مِن حُروفِ المُعْجَمِ، الَّذِي وَرِثُوهُ مِنَ اليَهُودِ ومِنْ حَرَكَاتِ الكَواكِبِ الِّذي ورِثُوهُ مِن الصابِئَةِ، وقد رَأَيْتُ مِن أتباعِ هَؤُلاءِ طَوَائِفَ يَدَّعُون أنَّ هذهِ الأُمورِ مِنَ الأَسْرَارِ المَخْزُونَةِ والعُلُومِ المَصُونَةِ، وخَاطَبَتُ فِي ذلكَ طَوائفَ مِنهم، وكُنتُ


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (537).

([2])أخرجه: مسلم رقم (537).