×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وهَؤُلاءِ يَعِيبُونَ مُنازِعَهُم إمَّا لِجَمْعِه حَشوَ الحَدِيثِ مِن غَيرِ تَمييزٍ بَينَ صحِيحِهِ وضَعيفِه، أو لِكَونِ اتِّباعِ الحَديثِ فِي مَسَائِلِ الأُصولِ «عِندَهم» مِن مَذهَبِ الحَشوِ؛ لأنَّها مَسَائِلُ عِلمِيَّةٌ، والحَدِيثُ لا يُفِيدُ ذَلكَ «عِندَهُم»؛ لأنَّ اتِّبَاعَ النُّصوصِ مُطلقًا فِي المَبَاحِثِ الأُصُولِيَّةِ الكَلامِيَّةِ حَشوٌ؛ لأنَّ النُّصوصَ لا تَفِي بِذلك - فِي زَعْمِهم - فالأمرُ «عِندَهم» راجِعٌ إِلى أَحَدِ أَمرَينِ: إمَّا رَيبٌ في الإسنَادِ أو فِي المَتنِ، إما لأَنَّهُم يُضِيفُونَ إِلى الرَّسُولِ مَا لَم يُعلَمْ أَنه قَالَه كأخبارِ الآحَادِ ويَجعَلونَ مُقتَضَاها العِلمَ، وإما لأنَّهم يَجعَلُونَ مَا فَهِمُوه مِن اللَّفظِ مَعلُومًا ولَيس هُو بِمَعلومٍ لِمَا فِي الأَدِلَّةِ اللَّفظِيَّةِ مِنَ الاحْتِمَالِ «عِندَهم»، ولا رَيبَ أَنَّ هَذَا عُمدةُ كلِّ زِنديقٍ ومُنَافِقٍ يُبْطِلُ الْعِلْمَ بِمَا بَعَثَ اللهُ بِه رسولَهُ، تارَةً يَقُولُ: لا نَعْلمُ أنه قالُوا ذَلِك، وتَارةً يَقُولُ: لا نَعْلَمُ ما أرَادُوا بِهَذَا القَولِ، ومَتَى انْتَفَى العِلمُ بِقَولِهم أو بِمَعْنَاه لَم يُسْتَفَدْ مِن جِهَتِهِم عِلْمٌ، فَيَتَمَكَّنُ بَعَد ذلك أن يَقُولَ مِن المَقالاتِ وقَد أَمِنَ على نفْسِه أَن يُعَارِضَ بآثارِ الأنْبِيَاءِ؛ لأنهُ قد وَكَلَ ثَغْرَها بَذَيْنِكَ الدَّافِعينِ لِجُنُودِ الرَّسُولِ عنه الطَّاعِنِينَ لِمَنِ احْتَجَّ بِها.

وَهَذا القَدْرُ بِعَيْنِهِ هُو عَينُ الطَّعنِ فِي نفسِ النبوَّةِ، وإن كَانَ يُقِرُّ بِتَعظِيمِهم وكَمَالِهم إقْرارِ مَن لا يَتَلقَّى مِن جِهتِهم عِلمًا؛ فَيكُونُ الرَّسولُ عِندَه بِمنزلَةِ خَليفَةِ يُعطي السَّكةَ والخُطْبَةَ رَسمًا وَلَفْظًا كِتَابَةً وقَولاً مِن غَيرِ أَن يَكونَ لَه أمْرٌ أو نَهْيٌ مُطَاعٌ، فله صُورَةُ الإِمَامةِ بِما جعَلَ له مِنَ السَّكَّةِ والخُطْبَةِ ولَيسَ لَه حَقِيقَتَها، وهَذا القَدرُ وإِنِ استَجَازَه كَثيرٌ مِنها المُلوكُ لِعَجْزِ بَعضِ الخُلَفَاءِ عَنِ القِيَامِ بِوَاجِبَاتِ الإِمَارَةِ مِنَ الجِهَادِ وَالسِّيَاسَةِ؛ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ نُوَّابِ الْوُلاَةِ لِضَعْفِ مُسْتَنِيبِه وعَجْزِه.


الشرح