ثُمَّ بَيَّنَ الشيخُ رحمه الله أَنَّ هَؤُلاءِ
الضَّالِّينَ وأشباهَهَم هم أَولَى بوصفِ الحَشَويَّةِ مِن أهلِ السُّنةِ
والجَمَاعَةِ، بل هُم المُسْتَحِقُّونَ لِهَذا الوصفِ لا أهلُ السنَّةِ، قال رحمه
الله : فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ يُسَمُونَ هؤلاءِ وأئمَّتَهُم - أي أهل
السنة - حَشَويَّةٌ هم أحَقُّ بِكلِّ وصْفٍ مَذمُومٍ يَذكُرونَهُ، وأئِمَّةُ
هَؤُلاءِ أَحَقُّ بِكُلِّ عِلمٍ نافعٍ وتَحْقِيقٍ، فإنَّ نَبزَهُم بالحَشويَّةِ إن
كَانَ لأَِنَّهم يَروونَ الأحَادِيثَ بِلا تَمييزٍ فالمُخَالِفونَ لهم أعْظَمُ
الناسِ قَولاً لِحَشوِ الآراءِ وَالكَلامِ الذي لا تُعرَفُ صِحَّتُه بل يُعْلَمُ
بُطْلاَنَهُ، وإنْ كَانَ لأنَّ فِيهم عَامَّةً لا يُمَيِّزُون، فَمَا مِن فِرقَةٍ
مِن تِلكَ الفِرَقِ إلاَّ ومِن أتْبَاعِهَا مَن هُم مِن أجْهَلِ الخَلْقِ
وأكْفَرِهِم، وأتباعُ هَؤلاءِ - أي أهل السنة - هم عمَّارُ المَسَاجِدِ بالصَّلَواتِ
وأهلُ الذِّكرِ والدَّعَوَاتِ وحُجَّاجُ البيتِ العَتِيقِ والمُجَاهِدونُ فِي
سبيلِ اللهِ وأهلُ الصدقِ والأمانةِ وكلُّ خَيرٍ في العَالَمِ، فَقَد تَبَيَّنَ
لكَ أنَّهُم أَحَقُّ النَّاسِ بِوُجُوهِ الذَّمِّ وأنَّ هَؤُلاءِ أبعدَ عَنْهَا،
وأنَّ الوَاجِبَ على الخَلْقِ أن يَرْجِعُوا إليهم فِيما اخْتَصَّهم اللهُ به مِن
الوِراثَةِ النبوِيَّةِ التي لا تُوجَدُ إلاَّ عِندَهُم.
وَأَيْضًا
فَينبَغِي النظرُ فِي المَوسُومِينَ بِهَذَا الاسمِ وفِي الواسِمينَ لَهم بِه
أيُّهُما أَحَقُّ، وقد عُلِمَ أَنَّ هَذا الاسمَ مِمَّا اشْتُهِرَ عَنِ النُّفاةِ
مِمَّن هُم مَظَنَّةُ الزَّنْدَقَةِ، وأنَّ علامَةَ الزَّنَادِقَةِ تسميتُهم لأهلِ
الحَدِيثِ حَشْوِيَّةً.
مِنَ المَعلُومِ أَنَّ هَذا مِن تَلقِيبِ بَعضِ النَّاسِ لأهلِ الحَدِيثِ الَّذِينِ يُقِرُّونَهُ عَلَى ظَاهِرِه، فَكُلُّ مَن كَانَ عَنه أَبْعَدَ كَانَ أَعْظَمَ ذَمًّا بذلكَ كَالقَرَامِطَةِ ثُمَّ الفَلاسِفَةِ ثُمَّ المُعْتَزِلَةِ، فَكُلُّ مَن اتَّبَعَ النُّصُوصَ وأقَرَّها سَمَّوه بِذَلك، ومَن قَالَ بالصِّفَاتِ العَقْلِيَّةِ مِثلَ العِلمِ والقُدرَةِ دُونَ الخَبَرِيَّةِ ونَحْوِ ذَلكَ سَمَّى مُثبِتَةِ الصِّفَاتِ الخَبَريَّةِ حَشوِيةً، كَما يَفعلُ أبُو المَعَالِي الجُوَينيُّ وأبُو حَامدٍ الغَزَالِيُّ ونَحْوُهُما.