بَينَهُم مِن
التَّراجِمَةِ يَعْلمُونَ لَفظَ كُلٍّ مِنْهُمَا ومَعْنَاهُ، فإنْ كَانَ
المَعْنَيَانِ وَاحِدًا كالشَّمْسِ والقَمَرِ، وإلاَّ عَلِمُوا مَا بينَ المَعْنَيينِ
مِنَ الاجْتِمَاعِ وَالافْتِرَاقِ فَيَنقُلُ لِكُلٍّ مِنهُما مُرادَ صَاحِبِهِ.
فَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَعْلَمُونَ ما جَاء بهِ الرَّسولُ وفِيما جَاءَ بِه بَيانُ الحُجَّةِ على بُطْلاَنِ كُفْرِ كُلِّ كَافِرٍ، وَبَيَانِ ذلك بِقياسٍ صحيحٍ أحقَّ وأحسَنَ بَيَانًا مِن مَقَايِيسِ أولئِكَ الكُفَّارِ، كما قال تَعَالى: {وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا﴾ [الفرقان: 33] ، أخْبَرَ تَعَالى أَنَّ الكُفَّارَ لا يَأتُونَه بِقِياسٍ عَقْلِيٍّ لِبَاطِلِهِم، إلاَّ جاءَه اللهُ بِالحَقِّ، وجَاءَهُ مِنَ البَيَانِ والدليلِ وضَرْبِ المَثلِ بِمَا هُو أَحْسَنُ تَفسِيرًا وكَشْفًا وإيضَاحًا للحَقِّ مِن قِيَاسِهِم، وجميعُ ما تَقُولُه الصَّابِئةُ والمُتفلسِفَةُ وغيرُهم مِن الكُفَّارِ مِن حُكمٍ أو دَلِيلٍ يَنْدَرِجُ فيما عَمِلَهُ الصحَابَةُ، واللهُ تَعَالَى قَد أَرْسَلَ نَبِيَّهُ مُحمدًا صلى الله عليه وسلم إلى جَميعِ العَالَمِينَ وَضَرَبَ الأَمْثَالَ فِيما أَرْسلَهُ به لِجَمِيعِهِم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [الزمر: 27] ، فَأَخْبَرَ أنه ضَرَبَ لِجميعِ النَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ، ولا رَيْبَ أَنَّ الألْفَاظَ فِي المُخَاطَبَاتِ تَكُونُ بِحَسَبِ الحَاجَاتِ كَالسِّلاحِ فِي المُحَارَبَاتِ، فَإذَا كَانَ عَدُوُّ المُسلِمِينَ فِي تَحَصُّنِهم وتَسَلُّحِهِم عَلَى صِفةٍ غَيرِ الصفةِ الَّتِي كَانَ عَليهَا فارسُ والرومُ؛ كانَ جِهَادُهُم بِحَسَبِ ما تُوجِبُه الشَّرِيعةُ التي مَبْنَاهَا عَلَى تَحَرِّي مَا هُو للهِ أطوعُ، وَللعبدِ أَنْفَعُ، وهُو الأَصْلَحُ فِي الدُّنيَا والآخِرةِ، ولِهَذا «لَمَّا حَاصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ رَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ ([1])، وكذلكَ لمَّا حُوصِرَ المُسلمونَ عَامَ الخَنْدَقِ اتَّخَذوا مِنَ الخَندقِ ما لَم يَحْتَاجُوا فِي غَيرِ الحِصَارِ، وقيلَ: إِنَّ سَلْمَانَ أشارَ
([1])أخرجه: الترمذي رقم (2762).
الصفحة 4 / 471