×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

 النَّصَارَى: {وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ [المائدة: 14] ، وقالَ عَنِ اليَهُودِ: {وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ [المائدة: 64] .

وكَذَلِكَ المُتَكَلِّمُونَ المُخْلِطُونَ الذينَ يَكُونُونَ تَارةً مَعَ المُسلِمِينَ وإنْ كَانُوا مُبتَدِعِينَ، وتَارةً مَعَ الفَلاسِفَةِ الصَّابِئينَ، وتَارةً مِنَ الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ، وتَارةً يُقَابِلونَ بينَ الطَّوائِفِ ويَنْتَظِرُونَ لِمَن تَكُونُ الدَّائِرةُ، وتَارةً يَتَحَيَّرُونَ بَينَ الطَّوَائِفِ، وهَذِه الطَّائِفَةُ الأخِيرَةُ - يعني طائفةَ المُتَكَلِّمينَ - قد كَثُرَت مِمَّنِ انْتَسَبَ إلى الإسْلاَمِ مِنَ العُلمَاءِ والأُمَراءِ وَغيرِهِم، لا سيَّما لمَّا ظَهَر المُشرِكونَ مِن التّركِ على أرضِ الإسلاَمِ بالمَشرِقِ فِي أثناءِ المِائَةِ السابِعَةِ، وكانَ كثيرٌ مِمَّن يَنْتَسِبُ إِلَى الإِسلامِ فيهِ مِنَ النِّفَاقِ والرِّدَّةِ ما أوجبَ تَسليطَ المُشرِكينَ وأهلِ الكِتَابِ على بِلاَدِ المُسْلِمينَ، فَتِجدُ أبَا عَبدِ اللهِ الرَّازِيَّ يَطْعَنُ فِي دَلالَةِ الأَدِلَّةِ اللفظيَّةِ على اليَقِينِ وفِي إِفَادَةِ الأخْبَارِ للعِلْمِ، وهذانِ هُمَا مُقَدِّمَتَا الزنْدَقَةِ، ثُمَّ يَعْتَمِدُ فيما أقرَّ به مِن أُمورِ الإِسلاَمِ عَلَى مَا عُلِمَ بالاضْطِرَارِ مِن دِينِ الإِسْلاَمِ مثلَ العِبَاداتِ والمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ، وكَذَلِكَ الإقْرَارُ بِمعادِ الأجْسَامِ بعدَ الاطِّلاَعِ عَلَى التَّفَاسِيرِ والأحَادِيثِ يَجعَلُ العِلمَ بِذلكَ مُستفادًا مِن أُمورٍ كَثِيرَةٍ؛ فَلا يُعطَّلُ تَعطيلَ الفَلاسِفَةِ الصَّابِئينَ، ولا يُقِرُّ إقرارَ الحُنَفَاءِ العُلمَاءِ المُؤمِنينَ.

وكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وإِنْ كَانَ - أَيِّ الرازي - يَقُولُ بِعَدَالَتِهِم فِيمَا نَقَلُوه وبِعَمَلِهِم فِي الجُمْلَةِ؛ لكنْ يَزْعُم فِي مَواضِعَ أنهم لم يَعْلَمُوا شُبُهاتِ الفَلاسِفَةِ وما خَاضُوا فيه؛ إِذ لم يَجِد مَأثُورًا عَنهم التكلُّم بِلُغةِ الفَلاسِفَةِ، وهَذا لا يَضُرُّهُم إذ العِلمُ بِلُغَاتِ الأُمَمِ لَيسَ مِمَّا يَجِبُ على الرُّسُلِ وأصْحَابِهم، بَلْ يَجِبُ مِنه مَا لا يَتِمُّ التبليغُ إلاَّ بِه، فَالمُتَوَسِّطُونَ 


الشرح