الراشدينَ هِي
مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِه ورسولُهُ، وعَلَيهِ أَدِلَّةٌ شَرعِيَّةٌ مُفَصَّلَةٌ،
فكَمَا أَنَّ اللهَ بَيَّنَ فِي كِتَابِه مُخَاطَبَةَ أهلِ الكِتَابِ وإقَامَةِ
الحُجَّةِ عَلَيهم بِمَا بيَّنَهُ مِن أَعْلاَمِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله
عليه وسلم وبِمَا فِي كُتُبِهِم مِن ذَلِكَ.
وما حَرَّفُوهُ
وبَدَّلُوه مِن دِينِهم وصِدقِ ما جَاءَتْ بِه الرُّسُلُ قَبلَهُ حَتَّى إِذَا
سَمِعَ ذَلِكَ الكِتَابِيُّ العَالِمُ المنْصِفُ وجَد ذلك كلَّه مِن أَبْيَنِ
الحُجَّةِ وأقومِ البُرهَانِ، والمُنَاظَرَةِ والمُحَاجَّةِ لا تنفَعُ إلاَّ معَ
العَدْلِ والإنْصَافِ، وإلاَّ فَالظَّالِمُ يَجْحَدُ الْحَقَّ الذي يَعْلَمُهُ
وهُو المُسَفْسِطُ والمُقَرْمِطُ، أو يَمتَنِعُ عنِ الاسْتِمَاعِ والنَّظَرِ فِي
طريقِ العِلْمِ.
ثُمَّ
يُبَيِّنُ الشَّيخُ رحمه الله إمكانَ الاستفادَةِ مَمَّا عندَ أهلِ الكِتَابِ مِن
حَقٍّ فَقَالَ: وإذَا حَصَلَ مِن مُسلِمَةِ أَهْلِ الكِتَابِ الّذينَ عَلِمُوا مَا
عَنْدَهُم بِلُغَتِهِم وتَرْجَمُوا لَنَا بِالعَرَبِيَّةِ انْتَفَعَ بِذَلِكَ فِي
مُنَاظَرَتِهم ومُخَاطَبَتِهم؛ كَمَا كَانَ عَبدُ اللهِ بنُ سَلاٍَم وسَلمَانُ
الفَارِسِيُّ وكَعَبُ الأحْبَارِ وغيرِهِم يُحَدِّثُون بِما عِندَهُم مِنَ
العِلْمِ، وحِينَئِذٍ يُسْتَشْهَدُ بِما عِندَهم علَى مُوَافَقَةِ مَا جَاء بِه
الرسُولُ ويَكُونُ حُجَّةً عَليهِم مِن وَجْهٍ وعلى غَيْرِهِ مِن وَجْهٍ آخَرَ.
فإذَا أرادَ المُجَادِلُ مِنهم أَنْ يَذْكُر مَا يَطْعَنُ فِي القرآنِ بِنَقْلٍ أَوْ عَقْلٍ مِثلَ أَن يَنْقُل عَمَّا فِي كُتُبِهِم عن الأنْبِيَاءِ ما يُخَالِفُ ما جَاءَ به محمدٌ صلى الله عليه وسلم أو خِلافَ مَا ذَكَر اللهُ فِي كُتُبِهِم كَزَعْمِهم للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن اللهَ أمَرَهُم بِتَحْمِيمِ الزَّانِي دُونَ رَجْمِهِ، أمَكنَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمِنِينَ أَنْ يَطْلُبوا التوْرَاةَ ومَن يَقْرَؤُهَا بالعَرَبِيَّةِ ويُتَرْجِمُها مِن ثِقاتِ التَّراجِمَةِ كعبدِ اللهِ بنِ سَلاَمٍ ونَحْوِهِ لمَّا قال لِحَبْرِهِم: ارفَعْ يَدَكَ عَنْ آيَةِ الرجْمِ ([1]) فإذَا هِيَ تَلُوحُ، ورجَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزَّانِيينِ مِنهُم بَعدَ أَنْ أَقَامَ عَليهِم الحُجَّةَ مِن كِتَابِهِم،
([1])أخرجه: البخاري رقم (3635)، ومسلم رقم (1699).